مصالح الأردن مع «سوريا الجديدة» في مواجهة استحقاق «لا بد من تركيا»
تشمل الترتيبات بين البلدين ملفات المياه والطاقة والنقل

عمان ـ «القدس العربي»: هل وجدت الحكومة الأردنية مجدداً نفسها مضطرة فيما يتعلق بتشبيك العلاقات مستقبلاً مع سوريا الجديدة أمام حائط تركي؟
يطرح مراقبون وخبراء هذا السؤال في ظل المستجدات ذات البعد الإقليمي، وفي ظل تدشين مرحلة من العلاقات مع الإدارة السورية الجديدة عنوانها نقاش الملفات المغلقة، وأهمها بعد «الأمن والمخدرات والحدود» ملفات «المياه والطاقة والنقل»، وهي ملفات حيوية وأساسية بات واضحاً لخبراء عمان أن إنضاجها يتطلب الغطاء السياسي التركي أيضاً بالرغم من كل الكلام الإنشائي العاطفي عن دعم وإسناد سوريا الجديدة.
السؤال المهم الذي يفرض نفسه على كواليس الاجتماعات: ما كيفية تعامل المؤسسات التركية مع جزئية المصالح الأردنية عندما يتعلق الأمر بالتكامل الاقتصادي؟
طرح هذا السؤال على هامش حركة نشطة لنخبة من كبار المسؤولين في الإدارة السورية الجديدة، الذين زاروا عمان مؤخراً حيث زار العاصمة الأردنية وزير الطاقة السوري، وناقش وزير المياه الأردني رائد أبو السعود الإجراءات التي ينبغي اتخاذها لضمان مستقبل حصة المياه الأردنية في نهر اليرموك مع الجانب السوري. في الأثناء، حضر إلى العاصمة عمان ضيفاً على رئيس بلديتها محافظ دمشق ونخبة من مسؤولي المحافظة.
ملفات حدودية وأمنية
نوقشت ملفات حدودية وأمنية بشكل مكثف مؤخراً، لكن الانطباع سياسياً تكرس مبكراً أمام الحكومة الأردنية بأن الكثير من الاعتبارات المرتبطة بالتعاون الثنائي بين عمان ودمشق محورها أو محطتها المرجعية والأساسية في النهاية هي أنقرة أو إسطنبول.
هذه المسألة لا تنطوي على تضليل؛ لأن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، يقرأ بدقة مشهد الرعاية التركية للإدارة السورية الجديدة انطلاقاً مما ذكره له نظيره السوري أسعد الشيباني في جلسة مصارحة، كما تؤكد بعض المصادر الغربية، حيث طلب الشيباني من الجانب الأردني التركيز على تركيا إذا كان المطلوب إطلاق حزمة من العلاقات الثنائية.
واجه الأردنيون عند التفاصيل الفنية والتقنية، وقائع وحقائق تشير إلى أن مربط الفرس في أنقرة في قضايا التعاون الثنائي الأساسية بين الأردن وسوريا.
المرجح أن وزير الخارجية النشط الصفدي، قرأ الدرس مبكراً، ولذلك يحرص تمام الحرص على جملة تنسيقية غير معهودة في تاريخ العلاقات الأردنية التركية مع نظيره التركي هاكان فيدان، ويؤكد مراراً وتكراراً على «القدس العربي» بأن تركيا دولة جارة ومهمة جداً، والعلاقات معها في أتم التنسيق مرحلياً.
العباءة الأساسية
وزار الوزير الصفدي أنقرة وإسطنبول عدة مرات، والفهم الذي تتقدم به الآن بعض النخب السياسية الأردنية هو ذلك الذي يفترض بأن ملامح التسوية الكبرى التي قد تجتاح المنطقة وأعقبت المواجهات العسكرية الأخيرة بين إيران وإسرائيل، تؤشر بوضوح إلى إقرار أمريكي ضمني وغربي وأوروبي بأن تركيا هي العباءة الأساسية في المظلة السورية مستقبلاً، وبأن إنجاح خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في وصول قطار التطبيع الإبراهيمي بين إسرائيل وسوريا الجديدة يحتاج بكل تأكيد إلى رعاية وإقرار وموافقة ومساندة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان.
وهي حقيقة يؤكدها المحلل السياسي الأمريكي الفلسطيني الناشط الدكتور سنان شقديح، عندما يبلغ «القدس العربي» بأن الرئيس الأمريكي يصر على وصف اردوغان بـ «شخص موثوق وصديقه الشخصي».
تشمل الترتيبات بين البلدين ملفات المياه والطاقة والنقل
وفقاً لشقديح، الإدارة الأمريكية مهتمة جداً بالدور التركي في المنطقة، وهذا الأمر الذي ينعكس بالضرورة على النقاشات الأردنية التي وجدت أن حلول الكثير من القضايا العالقة بين عمان ودمشق قد تحتاج إلى قفزة في العلاقات الأردنية التركية على المستوى العميق. وهو ما برر زيارة عدة جنرالات اردنيين إلى الدولة التركية مؤخراً، وتنفيذ بروتوكولات ثنائية على أكثر من صعيد.
العلاقات الأردنية مع سوريا الجديدة أصبح لزاماً تطويرها، للتوقف على المحطة التركية فيما يبدو. وقد لامس رئيس غرفة تجارة الأردن وهو يشارك في استقبال محافظ دمشق ووفد سوري مع رئيس بلدية عمان، مؤخراً، هذه الحقيقة عندما أشار في الاستقبال إلى الأمل في أن يلتحق الأردن ومعابره باتفاقية الترانزيت التي وقعتها مؤخراً دمشق مع أنقره بخصوص المعابر.
ووجهة نظر رئيس القطاع التجاري الأردني خليل الحاج توفيق، التي سمعتها «القدس العربي» عدة مرات مباشرة، تؤمن ببناء فرصة الشراكة والتكامل في سبيل سوريا الجديدة، الأمر الذي يؤشر ضمناً على قناعة رموز القطاع الخاص الأردني بأن تركيا فيما يتعلق بالسوق السورية الآن تلعب دوراً أساسياً، والتفاهم معها مؤثر أساسي ومركزي ليس على العلاقات الأردنية السورية فقط، ولكن على المصالح الأردنية ضمن مفهوم التكامل وتبادل المنفعة.
عمان تريد إقامة علاقة شخصية ومباشرة وثنائية مع الرئيس أحمد الشرع ورفاقه. ولا تريد التورط في معادلة السوق العراقية التي كانت تتطلب دوماً إقامة علاقات إيجابية وفعالة مع طهران لضمان المصالح الأردنية.
لكن المعادلة اليوم مختلفة؛ فالغطاء الأمريكي وإلى حد ما الدولي للرئيس اردوغان، موجود كحائط صد. وتركيا لا أطماع لديها وترغب بالشراكة.
والترتيبات التي تم تنفيذها على معابر الحدود مؤخراً كانت بتقنيات تركية. وكبار المسؤولين السوريين ينصحون نظراءهم الأردنيين بالحرص على علاقات جيدة مع الدولة التركية لحلحلة بعض الأمور على صعيد العلاقات الثنائية بين الأردن وسوريا. في الخلاصة، هذا الواقع الموضوعي أصبح أساساً للتعاون في مجال أمن الطاقة والتعاون وحركة الترانزيت التجارية في المنطقة. والإطار السياسي أيضاً مؤثر وعنصر فاعل وأساسي عندما يتعلق الأمر بسعي الأردن لضمان حصته في مياه نهر اليرموك، وهي الحصة التي حجبها لأكثر من عشر سنوات، النظام السوري السابق، ما دفع وزارة المياه الأردنية للحديث مؤخراً عن التقدم بالثناء تجاه الجانب السوري؛ لأنه منع حفر الآبار الجوفية بالقرب من سد مياه نهر اليرموك، وهي نقطة سبق أن طالبت فيها عمان التي تعاني من العطش الشديد ونقص المياه، لا بل عجزها في بعض المراحل الصيفية طوال الوقت.
العلاقات الأردنية السورية تتقدم، وعمان تسمي وترسل قريباً لأول مرة منذ عام 2011 سفيراً لها في العاصمة دمشق.
والتوقعات تشير إلى أن الناطق باسم الخارجية الأردنية الدكتور سفيان القضاة، هو المرشح الأوفر حظاً لتولي هذا الموقع، الأمر الذي يوحي بأن العلاقات تتقدم. لكن السؤال هو حول قدرة الحكومة الأردنية على ملامسة التسوية السياسية والاقتصادية والتجارية المناسبة مع اللاعب الذي يلعب دور العباءة والظل في سوريا، وهو حصراً التركي حيث معادلة «لا بد من تركيا وإن طال الزمن».