مصلحة الأردن بين «عمائم» و«قلنسوات»
مضحك جدا إصرار البعض في عمان على أن الطريقة الوحيدة لكي تمارس الدولة الأردنية خياراتها السيادية في مواجهة تداعيات الإقليم إثر سلاسل العدوان الإسرائيلي تتمثل في التصدي لحراك الشارع
مضحك جدا إصرار البعض في عمّان على أن الطريقة الوحيدة لكي تمارس الدولة الأردنية خياراتها السيادية في مواجهة تداعيات الإقليم العسكرية والأمنية والجيوسياسية إثر سلاسل العدوان الإسرائيلي تتمثل في التصدي لحراك الشارع ومنع حريات التعبير وشيطنة كل من يتحرك باتجاهات دعم الشعب الفلسطيني.
الادّعاء يصر على أن حماية الوطن والدولة يمر فقط وحصرا عبر “إنكار القوى السياسية والشعبية” وفتح ملفات خلافات الماضي معها وتوزيع الاتهامات هنا وهناك بلا خجل أو وجل أحيانا ضد كل من يملك رأيا في دعم وإسناد المقاومة.
ليست اليمن هي التي تقصف الأبرياء الآن في جباليا أو تهدد منطقة الأغوار أو تخطط لتهجير أهل الضفة الغربية. وليست حركة حماس هي التي تملك أسطولا جويا وطائرات شبح لا يمكن رصدها وقنابل ذكية للغاية تقضي حتى على الأجنة وتلوث التربة لـ50 عاما.
مجددا لم تتسبب المقاومة الفلسطينية في تعطيل إطار سيارة في زقاق أو تعثر أي جمل في الصحراء العربية وبالتأكيد ليس الإخوان المسلمون هم “أعداء الوطن” فيما رموز النفاق والتسحيج والتخويف وإثارة القلاقل وخصوم الحريات والتعبير هم الأنقى والأكثر وطنية بعد وجبات لا تنتهي من “الولاء المسموم”.
لا يمكن “حماية الوطن الأردني” بتلك الوصلات من النفاق وبث الكراهية ولا يمكن بالمقابل درء مفاسد “أطماع اليمين الإسرائيلي” بشرق الأردن حصرا بتلك النخبة التي تتصدر وكأنها تلعب في دوري المظاليم.
مضحك جدا إصرار البعض في عمان على أن الطريقة الوحيدة لكي تمارس الدولة الأردنية خياراتها السيادية في مواجهة تداعيات الإقليم إثر سلاسل العدوان الإسرائيلي تتمثل في التصدي لحراك الشارع
مضحك حقا حد السخرية أن النخبة التي تحترف تحذيرنا وترفع شعار “الأردن أولا وفقط” تعلي الميكروفون على صوت مرتفع وتمطرنا بمقولات المصلحة الوطنية الآن، لا يوجد بين يديها أي وصفة منطقية معقولة قابلة للتنفيذ لتحقيق المصلحة الوطنية إلا تلك الوصفات التي تدفع باتجاه شيطنة من يقاوم في الإقليم والمنطقة لا بل شيطنة من يساند من يقاوم في فلسطين المحتلة ولبنان حتى من المواطنين الأردنيين.
تلك “ذخيرة” سقيمة لا تنفع يوم الحصاد ومن يؤمن بأن “الأردن أولا” نصفق له، لا بل نزيد “دائما وأبدا” لكن عليه أن يجمع قلوبنا ويؤسس لطاولة حوار وطني عميق ويبلغنا كيف نترفع عن “صغائر الحسابات الشخصية” عندما نهتف بأن “الأردن أولا”.
غير معقول تمكين خطاب إعلامي يحذر من “العمائم السوداء” والمشروع الفارسي فقط دون أن يلتفت إلى مخاطر أصحاب “القلنسوات السوداء” التي أقام أهلها حفلا عسكريا أمس الأول على أعتاب “الوصاية” في القدس وها هم يشرعون قانونا يطرد “الأونروا” منها ومن الأرض المحتلة.
قالوا عن جبال الأغوار: “الرب منحنا إياها”، وينظرون لنا كأردنيين باعتبارنا “أصحاب الدور التالي بعد لبنان”، وحسموا في القدس والوصاية ويريدون إقامة جدار عازل وتهجير الناس ثم يرفعون خارطة تلو الأخرى “تنكر دولتنا ووطننا” بوضوح فيأتي مغامر أو مراهق ما ليعتبر أن رسم لوحة جدارية على جدران مخيم للقائد يحيى السنوار يشكل خطرا على “السيادة الأردنية”.
الإصرار على بقاء بعض الزملاء والسياسيين والبيروقراطيين في هذه المنطقة أصبح مدعاة للخجل الوطني.
المضحك المبكي أن الوسيلة الوحيدة التي يقترحها علينا دعاة الحرص الوطني ومن أصيبوا بتخمة مباغتة والذين يوزعون صكوك الولاء والوطنية الآن على غيرهم لا يوجد بين أيديهم أي وسيلة لمجابهة المخاطر والحرص على استقلالية القرار السياسي وحماية الوطن إلا التنكيل بكل القوى الموجودة في الشارع التي ترفع شعار حماية الوطن الأردني في النهاية.
لا يوجد بين هؤلاء الذين أهلكونا من كثرة المزاودات إلا وسيلة واحدة يقترحونها لتصليب الجبهة الداخلية فقط وحصرا وهي تقييد الحريات العامة، لا بل بعض الآراء المتشنجة ذهبت باتجاه تجميد مسار تحديث المنظومة السياسية في البلاد وإلغاء الانتخابات والديمقراطية وحل الجماعات الحزبية الموجودة في الساحة، لأنها تمتلك اليوم مقاربة شعبية مختلفة تحاكي انطباعات الأردنيين لا بل مخاوفهم ومشاعرهم.
مؤسف جدا أن تسمح الدولة بذلك والمؤسف أكثر أن الورقة الوحيدة التي يبيعها في أسواق الوطنية والمزاودة على الشعب الأردني اليوم بعض “أولي الحظوة والوظائف” هي شيطنة المقاومة ثم شيطنة من يساندها من أبناء الشعب الأردني الصابر.
لا يمكن تمرير تلك الرواية التي تقول بأن صلابة الجبهة الداخلية وتمكين الدولة من مروحة خيارات استراتيجية واسعة تناسب مصالحها وتوازناتها يقتصر فقط على التنديد بالإخوان المسلمين وإغلاق بقالتهم ومنع الأردنيين من الاعتراض في محيط سفارة العدو أو وقف هامش التعبير.
لابد من وجود بضاعة أخرى بيد هؤلاء على الأقل ثم تسويقها علينا حتى يتم تبرير حالة التورم التي يصابون فيها فجأة باسم الوطنية والولاء ثم حالة المزاودة على جميع وكل من يختلف معهم.
الترويج لهذه البضاعة مؤسف والأفضل بدلا من التنابز والتلاوم أن نجلس معا لكي نجيب على السؤال التالي: كيف بصورة محددة نحمي الوطن ودولتنا من المشروع الإسرائيلي الجديد؟