اراء و مقالات

مقاربات في الأردن تحاول مقايضة بقاء الإسلاميين في الشارع ببرنامج التحديث السياسي والانتخابات

عمان – «القدس العربي»: المقاربة التي يطرحها عضو مجلس الأعيان والوزير الأردني الأسبق محمد داودية، تبدو في سياق التشويق السياسي عندما يوجه في مقال منشور ملاحظة في غاية الأهمية للحركة الإسلامية بعنوان يقول ضمناً إن بقاءهم في الشارع حتى تحت عنوان مناصرة المقاومة الفلسطينية وقطاع غزة قد ينتهي بسبب ممارسات لا تبدو منطقية، ومشكوك في دوافعها أثناء التظاهر بالمساس بالتحديث السياسي في البلاد ووقف تجربته.
ما يلمح له داودية هنا سبق أن ألمحت له العديد من المقترحات والمقاربات، خصوصاً أن بقاء الإسلاميين في الشارع بصورة صاخبة يبدو بالنسبة لجناح متنفذ موجود في الدولة وفي الصف الرسمي مقدمة قد تنهي فعلاً وحقاً تجربة التحديث السياسي في البلاد.
والمعنى هنا أن تبرز مقترحات معاكسة للتحديث السياسي تصل إلى مستوى الاشتباك مع التجربة البرلمانية نفسها، ولم يمانع نشطاء إعلاميون وأصحاب رأي سابقاً من التلميح المباشر إلى أن بقاء الإسلاميين في حالة صدام مع خيارات الدولة ثم في الشارع تحت عنوان التتديد بالعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني من شأنه أن يؤدي إلى تحويل الأردن إلى ساحة، وهو الأمر الذي لا تقبله الدولة الأردنية في كل الأحوال.
وقد يقود هذا النمط من العمل السياسي الشعبوي إلى إنهاء التحديث السياسي، بل وحل البرلمان الحالي أيضاً وإجراء انتخابات جديدة مبكرة على أمل أن يرتدع الإسلاميون.
في هذا السياق، وفي الجزء المخصص من بقاء الإسلاميين الصاخب في الشارع، ثار جدل متعدد الاتجاهات.
وهو ما رفضه علناً المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين الشيخ مراد العضايلة، عندما لوح مؤخراً بأن مصير الشعبين الأردني والفلسطيني موحد، وأن الاعتراض في الشارع يمثل موقف الشعب والمؤسسات وإجراء وتنظيم فعاليات، يساعد الموقف السياسي الثابت للدولة الأردنية ولا يمكن اعتباره حجة على الشعب الأردني.
طبيعي القول هنا إن ما يقصده داودية وآخرون من إطلاق تحذيرات هدفه في النهاية ملف قانون الانتخاب أيضاً، بمعنى الدعوة إلى تعديلات جوهرية على هذا القانون تنتهي بألا يحصل الإسلاميون على الأغلبية في الانتخابات كما حصل في انتخابات 2024 الأخيرة.
لكن مثل هذا التلويح أقرب إلى سياسة جدع الأنف، كما يراها الإسلاميون؛ فالإخفاق الحكومي والبيروقراطي في متابعة صخب الشارع يسانده الإخفاق الرسمي العربي العام في وقف العدوان على قطاع غزة.
وهذه الإخفاقات ينبغي ألا تصبح مبرراً لوقف نمو مسار التحديث السياسي الذي عرض باعتباره ضمانة لاستراتيجيات المستقبل.
لا يلام الإسلاميون بأن لديهم مقاعد تمثل كتلة الأغلبية في البرلمان، لكن يمكن لومهم ومناقشتهم على أساس أن المنابر الدستورية متاحة لهم.
وعليه، من الصعب أن يتخيل كثيرون من المراقبين والخبراء وطبقة رجال الدولة أن التيار الإسلامي يصر على العمل الشعبوي والبقاء في الشارع بصيغة صاخبة، بالرغم من توفر المنابر الدستورية في خدمته.
تلك مفارقة قد تنتهي بالمساس بمسار التحديث السياسي، لكن ما لا يقوله أو لا تدركه النخب السياسية التي تنتقد الإسلاميين وصخبهم الشعبي هو أن إنهاء التحديث السياسي ومشاركة الإسلاميين في الانتخابات هدف يعمل من أجله عدد كبير في الواقع من كوادر جماعة الإخوان المسلمين والحركة الإسلامية، حيث نخبة بحضور اجتماعي وعددي كبير ترى أصلاً في التحديث السياسي والشراكة السياسية وحتى الانتخابات، لزوم ما لا يلزم في هذه المرحلة.
وثمة قواعد عريضة داخل الحركة الإسلامية باعتراف قادتها ورموزها تؤمن بأن الأولوية المطلقة التاريخية الآن هي لمعركة طوفان الأقصى ولحماية الوطن الأردني من أطماع مشروع اليمين الإسرائيلي وليس للانتخابات ولا للعمل الحزبي ولا حتى للتحديث السياسي.
ليس صدفة هنا أن ما يقوله متشددون أو خصوم أيديولوجيون للإخوان المسلمين بعنوان التحذير من المساس بالتحديث السياسي في حال بقائهم في الشارع، يتقاطع تماماً مع رغبة قطاع واسع من كوادر الحركة الإسلامية تعتبر الإصرار على المشاركة في الانتخابات والعمل البرلماني والشراكة السياسية شكلاً من أشكال التراجع عن منهجية مواجهة الأولويات، وهي الأطماع الصهيونية وحماية الأردن وفلسطين معاً.
تلك في كل حال مقايضة مطروحة على الطاولة لم يلمح لها الوزير والعين داودية فقط، بل شملتها اجتهادات متعددة وعبرت عنها عدة أقلام مؤخراً، وفكرتها أو مضمونها هو أن على التيار الإسلامي أن يختار ما بين البقاء في الشارع أو الانضمام للمقتضيات والقنوات الدستورية التي أتاحها لهم برنامج التحديث السياسي، ومن ثم الانتخابات، خصوصاً في ظل هذه المرحلة الحرجة التي ترتفع فيها مستويات المخاطر عموماً بسبب حساسية الوضع الإقليمي وتدحرج عدة أزمات على أكتاف الجوار الأردني.
المقايضة تستوجب النقاش في الواقع، ويمكن التوقف عندها وتأملها؛ لأن حساسية الدولة الأردنية وأحياناً بعض المكونات الاجتماعيه لاستمرار إطلاق هتافات حادة في الشارع عموماً، يعبر عن نمط من الاستنزاف العام الذي يفضل التخلص منه حتى تتفرغ البلاد لمواجهة تلك الأطماع التي يتحدث عنها الإسلاميون، لكن في الوقت ذاته ثمة إشكال يبرز من الإصرار على طرح هذه المقايضة له علاقة بجذر فيه قدر من الابتزاز السياسي، حيث يفترض التحديث السياسي بحد ذاته، بعد ترخيص واعتماد ترخيص عشرات الأحزاب، أن يوفر مظلة وحماية لحريات التعبير الحزبية وللمواطنين الأردنيين. والقضية الأهم التي تحتاج إلى حرية التعبير في هذه المرحلة هي تطور القضية الفلسطينية.
وفي الاستخلاص النهائي، لا بد من التوصل إلى صيغة وطنية معتدلة ترضي طموح الإسلاميين بالتعبير عن مواقفهم والأردنيين بالتعبير عن مشاعرهم، وترضي في الوقت ذاته أجهزة القرار والدولة التي لديها حسابات يجب أن تحترم في كل الأحوال.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading