اراء و مقالات

ملف “الرقمنة” يثير نقاشاً وسط الأردنيين: هل نحن محصنون ضد “اختراقات التطبيع”؟

عمان – “القدس العربي”: أي محاولة سياسية أو إعلامية أو حتى “شعبوية” ستحاول إعاقة ترصد الإسلاميين الأردنيين أو غيرهم في المجتمع لـ”مخاطر التطبيع التقني ولاحقاً الإبراهيمي” بنفس مقاييس ومواصفات الماضي المعروف “لن تكون موفقة هذه المرة” ليس فقط لأن الشارع العام في “مزاج” لا يتقبل فيه كلاسيكيات الشرح والتوضيح وحتى “التخويف”.

 ولكن، لأن أمام الحكومة – أي حكومة- خيارين لا ثالث لهما. هما أولاً: تحمل كلفة العودة لـ”التخشين” القسري والاستعمال المتعسف للقوانين والصلاحيات في زمن تحديث المنظومة السياسية في البلاد ومرحلة ما بعد “انتخابات نزيهة” تعيد ترسيم الكثير من التفاصيل المنفلتة.

 وثانياً: دفع فاتورة المصارحة والشفافية ولاحقاً إصلاح “أخطاء التطبيع”.

بين الخيارين طبعاً ودوماً يمكن للتيار الإسلامي الذي بدأ مسلسل التحرش بالتطبيع التقني وأحياناً اللحاق بالتسريبات غير الموثقة أن يدرك ارتفاع مستوى حساسية السلطات الرسمية مرحلياً، خصوصاً في ظل أزمة اقتصادية تضرب في الكثير من المفاصل ووضع إقليمي في منتهى الحساسية.

وهذا الارتفاع بحساسية الالتقاط الرسمي رصد مؤخراً من خلال ولادة مبكرة لأدبيات إعلامية أو تصريحات حكومية تتهم نواب التيار الإسلامي بـ”الشعبوية المبكرة” بسبب إصدارهم مذكرات مبكرة تتحدث عن “عدادات مياه” زرعت فيها شرائح إلكترونية إسرائيلية أو عن تعاقدات لوزارة التخطيط مع شركات عربية مرتبطة بمؤسسات إسرائيلية أيضاً تنتهي بتسليم بيانات الأردنيين الصحية للجانب الإسرائيلي.

ما يقترحه السياسي والاقتصادي البارز الدكتور محمد الحلايقة في نقاش مع “القدس العربي” على جميع الأطراف الرسمية التركيز على “كشف الحقائق والوقائع”، والرد على أي مذكرات بكل هدوء وبدون صخب، معتبراً أن من حق الأردنيين الحصول على الحقيقة كما هي فيما يخص شؤونهم وبدون مزايدات من أي جهة على أخرى.

سرد الوقائع يحمي جميع الجهات من أي اجتهادات برأي سياسيين بينهم الدكتور الحلايقة الذي يقر بالمقابل بحق نواب البرلمان المنتخبين شعبياً بطرح القضايا والملفات التي يرون أنها تمثل تساؤلات ناخبيهم وشعبهم.

خلال الساعات القليلة الماضية بدأت بعض الدوائر الرسمية تظهر ضيقها بتصريحات ومذكرات صدرت عن نواب جبهة العمل الإسلامي وتخص حصراً  تعاقدات تقنية وفنية يخشى المعارضون أن تنتهي بتسليم جهات إسرائيلية بيانات حساسة عن البنية الصحية الأردنية عبر شركات عربية تتعاون مع الإسرائيليين.

برزت مؤشرات الانزعاج بصدور تصريح للحكومة لا يشرح ما قيل في ملف “الرقمنة” المستجد بقدر ما يتحدث عن تعاقدات مع شركات رائدة في مجال تصنيف وأرشفة البيانات وعن استشارات سيادية حصلت مع المركز الوطني للأمن السيبراني وعن عقود بدون شوائب.

 جبهة نواب التيار الإسلامي بدورها رفضت التسليم بتوضيحات الحكومة، بل اعتبرتها النائب الدكتور ديمة طهبوب “غير مسؤولة” ولا تظهر الاحترام اللازم لممثلي الشعب الأردني فيما يتم بصورة مرجحة الآن تجهيز ملف علبة الاتهامات للإسلاميين وغيرهم من طراز الميل إلى الشعبويات واستغلال مخاوف ومشاعر الأردنيين وترويج الشائعات والمحاولات المبكرة لعرقلة نمو العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية حتى قبل انعقاد دورة البرلمان الدستورية في 18 من الشهر المقبل.

عملياً، كل تلك الاتهامات رافقت حجم التغطية الشعبية والمنصاتية التي حظيت بها مذكرة أرسلت للحكومة من النائب عبد الرؤوف إربيحات وتحدثت عن “اختراق خطير للأمن الوطني” بموجب تعاقد قد ينتهي بتسليم بيانات الأردنيين الصحية لمجمع روفائيل الصناعي الدفاعي الإسرائيلي الشهير.

ما يبدو عليه الأمر، حسب رواية إربيحات، أن ذلك العقد الذي يثير الآن جدلاً باسم “قضية الرقمنة” نتج عن مساحة التعاون بين إسرائيل ودول الاتفاقيات الإبراهيمية، الأمر الذي يزيد عملياً من حساسية الشارع الأردني فيما لا تقدم وزارات الاختصاص عملياً أي تفصيلات وشروحات مقنعة تبدد مخاوف النائب إربيحات أو تفحمه وتفكك مخاوفه أو روايته.

العكس حصل يقابل الإسلاميون الآن بمعلبات اتهامات مسبقة بصيغة توحي بأن تهمة المزاودة جاهزة للرمي بها لكن في توقيت حرج بالواقع لا يأخذ بالاعتبار السؤال الذي طرحه مبكراً على القدس العربي القطب البرلماني صالح العرموطي: “ما الذي يمنع الإسرائيلي من المساس بنا في الأردن؟”.

 سؤال العرموطي سياسي بامتياز، ومنه تتسلل مذكرة زميله إربيحات لتؤسس إطاراً شعبياً لمخاوف “التطبيع التقني والرقمي” المباشر وغير المباشر مع أي جهات إسرائيلية ومن نفس السؤال بالواقع تتسلل تعليقات النائب طهبوب عن عدم شعورها بالمسؤولية في رد بعض الوزراء عما يطرح في قصة التعاقد الرقمي الخاص بفلترة وترتيب البيانات الصحية للأردنيين.

حتى نقابة الأطباء أعلنت أنها “لن تقبل” بتسليم أي بيانات صحية أردنية لأي جهة إسرائيلية أو تعمل مع العدو.

حجم الجدل بالملف في عمان لا يعني إلا أن النائب إربيحات سجل إضافة نوعية وطرح قضية في واقعها تلامس مخاوف مكتومة عند جميع الأردنيين زادت حدتها ومخاطرها تماماً بعد واقعة البيجر واللاسلكي في لبنان، حيث يلح السؤال الآن: هل نحن في الأردن محصنون فعلاً من استعمال جهات إسرائيلية معادية لأي بيانات تقنية ضدنا؟

لا أحد في الحكومة يستطيع الادعاء بالتحصين المشار إليه.

 لكن نواب التيار الإسلامي بالمقابل عليهم الانتباه لمنع التورط في الخطابات الغرائزية والشعبوية عبر طرح مشكلات وتحديات معقدة وصعبة الإثبات لأن جبهة الدفاع الوزاري المختص تبدو في الواقع إما ضعيفة أو خائفة أو غير راغبة بالاشتباك.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading