متخصصة تماما في الحديث عن «العجز» وبث «الخيبة» . أتحدث عن الشاشات والفضائيات العربية الرسمية والأهلية عموما.
وأخص بالذكر شاشات الأردن، وهي تخضع للمتابعة والرقابة على هامش «صفقة القرن».
عبر الميكروفون تماما يدخل «العسس» إلى «الكونترول» في صوت أجش، يحذر من المبالغة في الحماس أو «يفلتر» أو يحجب أو يمنع أو يمرر ويدقق بالأحرف والمفردات والعبارات وبما قيل وما لم يقل بعد، طبعا ورشة التدقيق في أصل ومنبت كل فكرة.
عسس الشاشات العربية لا يقلق قبل «تداعي الأوطان» ولا يحرس الانهيار ولا يحاسب المسؤولين عن الفساد والإفساد وكل ما يفعله على طريقة أفلام «أم بي سي» الثانية ترديد عبارات مرة لها بالحرص على الأمن الوطني ومرات في الأمن القومي.
طوال الوقت نمني النفس في كونترول أمني قبل التصوير والتسجيل يحتاط للنتائج بحيث تقل نسبة البرامج التلفزيونية المتشبعة بالإحباط.
مطر اللعاب الإسرائيلي
راقبت مثلا شاشة الفضائية السودانية المنشغلة في التحذير الأهم للشعب السوداني، وهي تحاول إقناعه أن «اللعاب الإسرائيلي» بعد مصافحة البرهان – نتنياهو ما هو إلا «مطر» سيروي الزرع والضرع.
نفسي أفهم كيف خطط مسؤول العلاقات الخارجية في مجلس الحكم الانتقالي السوداني للظهور على الشاشة وقول ما يلي: استقرار وأمن وغذاء الشعب السوداني هو الأهم الآن من تسليط الضوء على مصافحة نتنياهو.
وكيف، وعلى أي أساس خطط وزير خارجية مصر سامح شكري للظهور على شبكة «النيل» ليتحدث عن «المفاوضات مجددا» على أساس أن «الأمن القومي المصري» هو الأساس في المواقف المصرية، وكأن أحدا داس على طرف الأمن إياه، إلا إسرائيل.
المعادلة واضحة: تلويح للشعب بالجوع مقابل تلك المصافحة البائسة في السودان.
وقابلية مصرية سريعة لتبرير الحصار على غزة والمشاركة في حفلة الرئيس ترامب!
أي غفران يرتجى بعد كل هذا «العهر الشاشاتي».
في الأردن وعلى شاشة فضائية «رؤيا» أكثر الفاضل عبد الرؤوف الروابدة من عبارات «الانتباه والتهدئة»، وعلى الشاشة الرسمية أغرقنا المتحدثون بعبارات «الواقعية» والتركيز على «سلامة الجبهة الداخلية»، في مرحلة حساسة، وكأن الجبهة الداخلية تلك لا تتأثر بالفساد وتأخير الإصلاح السياسي والعبث بالانتخابات.
وحدها شاشة فضائية «اليرموك» في عمان «سارحة والرب راعيها»، حيث لا عسس ولا متداخلون في غرفة البث، لأنها ناطقة باسم الإسلاميين وبالتالي «ميؤوس منها» وجل ضيوفها – وأنا بالمناسبة دوما منهم – هم أولئك الذين لا تستضيفهم في العادة شاشات الحكومة.
الزملاء والرفاق في اللوائح السوداء من إسلاميين ويساريين ومستقلين ومهنيين ووطنيين بإمكانهم «البوح والبعبعة» فقط على حزمة تلفزيون معارض أو أجنبي، أما الإذاعة الأردنية فيصاب معد برامجها فجأة بإنفلونزا أو إسهال حاد عندما يضبط متلبسا باستضافة أو محاولة استضافة صاحب رأي مختلف أو مستقل أو لا يعجب العسس، وأغلبهم متطوع في المناسبة، حيث الرقيب الذاتي يسترخي.
منقوع الخيبة الفضائي
حتى فضائيات عربية عريقة تتورط في وصلات «بث الإحباط والعجز»، وهي تزعم التغطية المحايدة.
شاشة «العربية» شاهدتها في أحد الفنادق قبل النوم، وكانت معبأة بمحلل سعودي قرر الرد على «صفقة القرن» بالتركيز على ترك القضية لأصحابها الفلسطينيين والعودة للحديث عن الخطر الإيراني.
أشعر أيضا أن «الجزيرة» تتورط أحيانا في الأسلوب نفسه، حيث زميلنا محمد كريشان يسأل ضيفيه: هل لدينا القدرة فعلا على منع تداعيات «صفقة القرن»؟
يخالجني شعور أن الشاشات العربية، عندما يتعلق الأمر في مسألتين، هما «الكرامة القومية وقضية فلسطين» لها وظيفة محددة وهي توجيه منقوع من الخيبة والفشل للجمهور العربي لإقناعه بعدم وجود «أي أمل».
أما عندما تكون الشاشات ناطقة باسم الجنرالات والعسس أو بائسة فحدث ولا حرج، مثل «القاهرة والناس»، التي تحتفي بشكوى ضد زميلنا جمال الريان، من بتوع الـ«خمسة جنيه»، لأنه يحاول «تقويض» حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي!
الآغا والليرة السورية
تحمس زميلنا، الذي أحب متابعته مصطفى الآغا وهو على شاشة «أم بي سي» صارخا أثناء تبليغ مواطنة سورية بفوزها بـ«الحلم».
في حماس مفرط للغاية تعيد الشاشة الوصلة الترويجية والآغا يصرخ: يا فلانة من حارة كذا في حلب شو حلمك؟ تتحدث سيدة بصوت خافت وفجأة يكاد مصطفى يغادر الشاشة: ربحت مع «أم بي سي» مليون «ليرة سورية»؟
خطر في بالي فورا الاستفسار التالي: عن كم دولار يتحدث زميلنا في النهاية؟
الأهم: في ظل الموقف السياسي المعروف لـ«أم بي سي» وشبكتها من حلب والقصة السورية… كيف ستتمكن السيدة فعلا من قبض «جائزتها» وقبل قبض روحها، ووفقا لأي نظام مالي وبدون اعتقالها من أي فرع يتبع المخابرات الجوية أو حتى الرصد الثوري لجبهة النصرة أو فلول داعش؟
خطر أيضا في ذهني أن أسأل: لماذا ليرة سورية أصلا؟ ولماذا لم تحصل بنت حلب على جائزتها في العملة الصعبة، مثل غيرها من مساخيط العالم العربي؟
قد يخفق الآغا في الإجابة، لكن تصوري أن السيدة قد لا تلمس «حلمها» من «صدى الملاعب».