اراء و مقالات

219 شخصية أردنية في تحذير جماعي بعد «دبلوماسية» السباحة في مستنقع الإبراهيميات

عمان – «القدس العربي»: لا يتعلق الأمر بمسار التكيف فقط. فقد بدأ الأردن، بوضوح شديد، سياسياً، يبحث عن أفضل طريقة ممكنة للسباحة بين ألغام المسارات الإبراهيمية التي أصبحت واقعاً موضوعياً ومن الصعب تجاهله، والأفضل محاولة الاستثمار فيه.
تلك كانت وصفة الأمر الواقع التي يمكن اشتمامها من تفاصيل شروحات قدمها مؤخراً وزير الخارجية أيمن الصفدي على هامش جلسة مغلقة وخاصة في أحد معاهد العاصمة عمان. ما الذي يعنيه ذلك بصورة محددة؟
حاولت “القدس العربي” الحصول على إجابة من سياسي رفيع المستوى أشار فيها إلى أن الفارق ملموس ومساحته واضحة؛ فبدلاً من الوقوف على الشاطئ وانتظار الغرق بالموجة الإبراهيمية بعدما تطور بسبب حياد الموقف الأمريكي الغريب، مفهوم الأمر الواقع نفسه محاولة السباحة داخل الموجة قد تشكل أفضل السيناريوهات السيئة.
لذلك على الأرجح، يشرح الصفدي لكن خلف الستارة ما فكرته أن حل الدولتين رحلته أصعب، وحل الدولة الواحدة يجلس بوقار في المستحيل، والمبادرة العربية لا أحد يذكرها، والمطروح الوحيد على الطاولة هو الإبراهيميات وتوابع صفقة القرن.
ومن الأنف الأردني الذي يشتم التفاصيل وبخبرة، يمكن القول بانتصار مرصود للفكرة النخبوية التي تقول بأن السباحة أردنياً أفضل من الوقوف على الشاطئ، وبأن الدخول إلى المطبخ ومراقبة الطهاة وأحياناً مشاركتهم يمكن أن تجنب المملكة الشر الناتج عن طبق مسموم. وعليه، وبالخلاصة، لم يعد الأمر يتعلق بمسار التكيف الذي حذر منه الجميع باعتباره انحيازاً للاقتصاديات الإبراهيمية على حساب ما وصف بأنه الأفق السياسي، بقدر ما يتعلق اليوم بالانخراط في التكيف ومراقبة ما يحصل؛ لأن الاحتراز الأردني في النهاية ووفقاً لتقدير المخضرم الدكتور جواد العناني، واجبه السعي لمحاولة حماية وتأمين الثوابت والمصالح العليا الأردنية.
ذلك منطق في السياق الوطني لا يمكن الاختلاف معه ولا يمكن بالنتيجة اتهامه، فلا أحد يمكنه أن يلوم عمان على اهتمامها بأن لا تضرب أقدامها موجات الإبراهيميات العاتية حتى وإن كان الحديث عن مكاسب الانخراط والتكيف وفوائده وهماً حقيقياً لا نهاية له، كما يعيد التذكير خبير من وزن الدكتور مروان المعشر على هامش مناقشة التفاصيل مؤخراً وقبل أيام برفقة “القدس العربي”.
تياران في الواقع النخبوي الأردني اليوم لا يمكن إنكار إطارهما: الأول يقوده المايسترو الدبلوماسي أيمن الصفدي ونخب هنا وهناك في الطاقم الاستشاري الملكي ورئاسة الوزراء، يعمل على أساس أن الانخراط فيه مكاسب حقيقية وينسجم مع ميزان القوى ووقائع الحالة الإقليمية ويشكل حاجزاً ما بين مصالح الأردن وثوابته، والممارسات العنصرية البغيضة لحكومة اليمين الإسرائيلي الجديدة، التي يريد الأمريكيون اليوم العمل معها بدلاً من إسقاطها واعتزالها. ذلك رأي لتيار عريض يحكم الأمور في القرار الأردني على الأرجح.

اشتباك

وقد تكون مشكلته الوحيدة والأساسية أن خبراته الحقيقية الواقعية في الاشتباك مع المطبخين الأمريكي والإسرائيلي نادرة جداً وغير موجودة، فكبار اللاعبين المخضرمين من الأردنيين خارج السكة، والمؤسسات والأمور تدار بلا مشاورات. بالمقابل، ثمة تيار آخر يحذر من مسألتين: الأولى هي الاسترسال في إنكار المخاطر، والثانية بناء أوهام مضللة جديدة تحت عنوان التنشيط الاقتصادي الإقليمي. بين التيارين تاهت البوصلة والوقائع والحقائق اليوم.
ويصبح الحديث عن مخاطر اليمين الإسرائيلي على المملكة في المستقبل القريب أشبه بلعبة ملاكمة في الظلام، لكن شخصيات كبيرة ومهمة من بينها طاهر المصري وآخرون، يعلنون بوضوح عن الهواجس والمخاوف ويحذرون الآن من مطب وكمين الانخراط في التكيف والإبراهيميات، مع أن رئيس الوزراء الحالي الدكتور بشر الخصاونة لديه خبرة متراكمة شخصياً قبل تولي الحكومة في ملاعبة ومناقشة ومراوغة تفصيلات صفقة القرن وتوابعها.

أدلة وقرائن

المقابل، الفرصة متاحة إعلامياً على الأقل لحيز ضيق جداً من الشفافية والمصارحة رسمياً، وفي ميزان النقاشات العامة حتى اللحظة يصمت رموز التيار الأول ويتحرك وينشط رموز التيار الثاني بدلالة أن شخصيات وطنية مهمة وكبيرة ومؤثرة وصل عددها مساء الإثنين إلى 219 شخصية على الأقل لجأت إلى التوقيع على بيان مثير جداً وعميق تم إعلانه، وفكرته الرئيسية والأساسية التحذير من إنكار مخاطر اليمين على المملكة، والمساواة ما بين الانخراط في مشاريع الاقتصاد الإقليمية وبين التوجهات وسيناريوهات مريبة باتجاه التوطين والخيار الأردني وحتى الترانسفير. صعب جداً، بالتوازي، توجيه اللوم للمؤسسة الرسمية لأنها قررت الغوص مع سباحي الإقليم الذين يرفعون لواء السلام بصيغته الإبراهيمية.
وصعب أكثر على هؤلاء تحديداً من رموز المؤسسة الرسمية، تقديم أدلة وقرائن واقعية ملموسة ومقنعة ومفهومة تثبت بأن الخيار الوحيد واليتيم هو الانخراط في مسارات التكيف، لأن الجدوى والنتيجة معروفتان اليوم وتم تعريفها من جهة المصري قبل غيره عندما وصف كل عملية السلام قائلاً بأن الخديعة فيها يقين، كما تم تعريفه من قبل بيان الشخصيات المشار إليه.
يهمس مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان قبل تحضيرات النقب 2 في الأذن الأردنية، وتتحمس عمان للقاء قمة ثلاثي جديد بالقاهرة بحضور الرئيس محمود عباس، ثم يعود ملك الأردن وفي أقل من شهر واحد بزيارة رسمية إلى أبو ظبي، فيما يحضر توني بلينكن إلى المنطقة في مشهد لدبلوماسية العواصم، يقول ضمنياً بأن الأزمة كبيرة مع صقور حكومة نتنياهو، والخوف أكبر ومن الجميع.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى