معادلة «لغز» وضعت الأردن «على الحافة»: إسرائيل «تبتز وتنتقم» وأمريكا «لا تحفل ولا تهتم»

عمان- «القدس العربي»: يمكن ببساطة ملاحظة الحدة التي زادت في لهجة ومضمون ومحتوى خطاب الأردن الرسمي تجاه اليمين الإسرائيلي وتصرفاته الاستفزازية مع تواتر الأنباء “غير السارة أردنياً” من غربي نهر الأردن.
الاستهداف الإسرائيلي المستمر للأردن ولمصالحه ولرؤيته حصرا بطريقة أو بأخرى، يدفع البيانات الرسمية إلى الحافة، واستعمال لهجة تتجاوز الحسابات المألوفة وتحاول مخاطبة مشاعر واتجاهات الشارع.
يمكن الاستدلال على حجم السخط والغضب الذي تشعر به المؤسسة الأردنية جراء استمرار استفزازات إسرائيل ومضيها في عرقلة مشروع عملية السلام والعمل على زعزعة استقرار وأمن المنطقة، من خلال البيانات التي صدرت بحدة بالغة عن الخارجية الأردنية مساء ثلاثة أيام بالتوالي الأسبوع الماضي.
عملياً، لأول مرة يضطر اليمين الإسرائيلي الخارجية الأردنية لـ “حشو لغوي” في 3 بيانات تصدر في أسبوع واحد، بمعنى استفزاز الأردن 3 مرات في نفس الأسبوع، ما يؤكد على تدوير الزاوية بوجود الأردن وحيدًا في المواجهة بدون ظهير عربي رغم كل المحاولات الهوسية بحثاً عن توحيد الموقف العربي، كما يقول وزير الخارجية أيمن ألصفدي.
في الحادثة الأولى، قصف الإسرائيليون محيط أحد المستشفيات الأردنية الميدانية في خان يونس، ما أدى إلى إصابة ممرض في الخدمات الطبية الملكية، وتحريك عملية إخلاء سريعة له في إطلاق نار نددت به الوزارة الأردنية، لكنه قرئ في مستويات أعمق باعتباره رسالة ضد “الوجود الطبي الأردني في غزة”.
البيان الرسمي الصادر بسبب الهجوم الإسرائيلي الذي أدى إلى جرح ممرض أردني داخل غزة بإصابة بالغة، يظهر حجم الضيق من تصرفات الإسرائيليين واستفزازاتهم تحت عنوان تحميل تل أبيب كامل المسؤولية عن التداعيات دون أن يحفل الجانب الإسرائيلي بتلك التداعيات.
لاحقاً، اللهجة التي استخدمها الناطق الرسمي باسم الخارجية الأردنية في الرد على اقتحام الوزير المتطرف إيتمار بن غفير لصحن المسجد الأقصى، لم تكن مسبوقة عملياً في إظهار حجم غضب الأردن من جراء تداعيات الاستفزازات الإسرائيلية.
الأردن الرسمي على علم مسبق بأن ما يخطط له بنيامين نتنياهو وطاقمه بالحد الأدنى هو فرض التقاسم الزماني والمكاني في المسجد الأقصى، باعتبار تلك الخطة التي يمكن لبعض الأطراف العربية الموافقة عليها في الواقع، وتمريرها، ومعها صمت وتواطؤ بعض الأطراف الإسلامية، هدفها النهائي الحسم في ملف القدس.
خطة التقاسم المكاني والزماني في أوقاف الحرم المقدسي الشريف كانت دائماً وأبداً هي محور الشر الأساسي في السعي لتقويض الوصاية الأردنية.
هذا ما سمعته في إسطنبول وعمان عدة مرات “القدس العربي” وهي تناقش هذا الملف وتداعياته مع المفتي العام في مدينة القدس الشيخ عكرمة صبري، الذي سبق أن حذر السلطات الأردنية كتابة وشفوياً من أن خطة التقسيم المكاني والزماني هدفها إنهاء حالة الوصاية الأردنية التي تنسجم مع اتفاقية الستاتيكو الموقعة عام 2015. إن حجم الابتزاز الإسرائيلي تجاه الأردن لمعاقبة المملكة على مواقفها ضد العدوان في المحافل الدولية ودعم الشعب الفلسطيني والتنديد بالعدوان في غزة، وصل إلى مستويات متقدمة.
لكن الأردن ظهره سياسياً مكشوفاً، برأي السياسي والدبلوماسي السفير موسى بريزات، بعدما فرض الأمريكيون لعقود فكرة الارتباط بين منظومة الأمن القومي العربية عموماً وما يسمى بأمن إسرائيل، في خلل يتحول إلى مفاهيمي الآن.
وسبب انكشاف ظهر الأردن هذه المرة هو الموقف المتخاذل للولايات المتحدة الأمريكية وللإدارة الأمريكية التي توفر حالة من شرعنة استفزازات إسرائيل، لا بل توفر أرضية كبيرة لكي تواصل إسرائيل عدوانها الهمجي على أهل غزة، والتوسع في الاستيطان في الضفة الغربية، وبالنتيجة ضم الضفة الغربية والأغوار دون أي حراك مضاد أمريكياً، لإخراج الأردن ومصالحه من مستوى دفع الثمن المباشر.
وعليه، يمكن القول إن التفويضات التي يقدمها اليمين الأمريكي لليمين الإسرائيلي ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، تضغط بشدة على الحبل العصبي المشدود للمصالح الأردنية العليا، السياسية تحديداً. وهي حالة لم تكن مرصودة في الجانب الأردني سابقاً، ويمكن القول إنها نتجت عن فرق الأوزان الذي يؤسس لمثل هذه الحالة عبر فرط الحماسة الأمريكية لدعم خيارات اليمين الإسرائيلي.
عمان في الماضي كانت كلمتها مسموعة ليس في واشنطن، ولكن في تل أبيب أيضاً.
واعتداءات إسرائيل على حرم المستشفى الميداني الأردني، وتصرفاتها في الأغوار، وتباطؤ ردود فعلها للحد من ظاهرة تهريب المخدرات باتجاه شرق نهر الأردن… كلها خطوات وإجراءات استفزازية وابتزازية وثأرية، خلافاً لما يجري على الحدود مع المملكة وفي قلب ملف مقدسات القدس.
تلك عناصر تكمل المشهد بترسيم حالة استفزاز نادرة من جهة إسرائيل تجاه المصالح الأردنية هذه المرة.
والعنصر الأكثر إحراجًا في المسألة، أن الطرف الأمريكي الذي كان يلعب دوراً محايداً ويعيد إنتاج منظومة السلوكيات الإسرائيلية بما يحافظ على الأردن ومصالحه الأساسية، ذهب تماماً في اتجاه الانحياز، فيما الإسرائيلي يفرض الوقائع على مصالح الأردن في القدس وفي الحدود مع الأغوار وفي الجزء الأمني من الأمن الحدودي والقومي، بل حتى على المستوى الاقتصادي والإقليمي.
حدة لهجة البيانات الأردنية تزيد بشكل ملموس وتذهب باتجاه توجيه انتقاد مباشر يؤدي إلى تحميل إسرائيل، وبالتالي المجتمع الدولي، مسؤولية نتائج ما يحصل على الأرض الآن؛ لأن تلك العبارات التي تتحدث عن بنية القانون الدولي ودوره وعملية السلام، تختفي بالتدريج من بيانات الخارجية الأردنية التي بدأت تتخذ منحنيات حرجة في النقد وتوجيه الاتهام، الأمر الذي يعكس عملياً حجم الأزمة ومستواها.