نخب الأردن «تحصي الخسائر» فقط ودبلوماسية «الصبر» في مواجهة «شجرة نتنياهو» في الأغوار
بلعت الخارجية الأردنية مجدداً لسانها الدبلوماسي، ولم يصدر عنها أي تعليق على العرض الاستفزازي الجديد لرئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في إحدى قرى أريحا، فيما يتواصل الجدل النخبوي الأردني الداخلي بعناوين غموض تفعيلات صفقة القرن الأمريكية وسط حالة «صمت مريبة» عند الحكومة.
نننياهو قرر فجأة «زرع شجرة» ضمن مشروع استيطاني في أكتاف أريحا بمحاذاة الحدود مع الأردن. في الأثناء، تحدث الخصم الليكودي الأول للمملكة الأردنية ووصايتها على القدس في الهرم الإسرائيلي عن «تحول تاريخي»، مشيراً إلى أن الشجرة التي زرعها في منطقة هي الآن جزء من أرض إسرائيل، والأهم بـ»اعتراف دولي».
تلك أيضاً خطوة إسرائيلية يمينية عدائية تجاه الأردن تحاول تكريس الوقائع الجديدة، سبقها قرار إسرائيلي بمنع المزارعين الفلسطينيين في جوار الأغوار من التصدير للأردن.
تجريف للأراضي وإزالة الألغام عن أكتاف نهر الأردن و«ليكود» يواصل استفزازاته
وسبقها أيضاً إزالة «ألغام» المنطقة المحاذية للحدود مع الأردن، وتجريف مزارع، ووضع حواجز عسكرية، الأمر الذي تقول إسرائيل بواسطته ضمنياً بأن «سيادتها» على الحدود مع الأغوار الأردنية أصبحت «أمراً واقعاً».
ثلاثية نتنياهو الجديدة قيلت أيضاً خلال عملية زرع الشجرة بمعول «الاحتلال»، حيث إسرائيل الجديدة تمثل الأغوار وشمالي البحر الميت و»يهودا والسامرا»، بمعنى إقرار خطوات عملية لفرض السيادة الإسرائيلية حتى على الضفة الغربية وعلى كامل الحدود مع الأردن، في خطوة عدائية جداً لا أحد يفهم لماذا تصمت عليها عمان، ولا تنتهي -على الأقل- بسحب السفير الأردني من تل أبيب وطرد سفير الاحتلال، كما يطالب عضو مجلس النواب خليل عطية الذي انتقد في نقاش مع «القدس العربي» تباطؤ وزحف الموقف الحكومي وعدم اتخاذ إجراءات.
بكل حال، كان الجيش الإسرائيلي قد أزال الألغام على حدود المزارع بمحاذاة نهر الأردن، حسب شهود عيان من أهالي المنطقة، وهي إشارة -حسب خبراء عسكريين- تعني بأن المنطقة الحدودية تحت سيادة الاحتلال، ولم تعد «متنازعاً عليها» أصلاً أو «خاضعة للتفاوض»، بدلالة أن الآليات الإسرائيلية المدرعة ستكون في المنطقة بدلاً من الألغام الأمنية. في الأثناء، اضطرت بلديات أردنية لتجريف بعض المناطق واتخذت احتياطات أمنية.
لكن اللافت جداً أن ردة فعل السلطة الفلسطينية والحكومة الأردنية «خجولة» جداً، أو لا تزال خجولة ومترددة، والأهم «حائرة» إزاء خطوات نتنياهو المستفزة، التي قال وزير الخارجية الأردني أيمن صفدي سابقاً إنها لا تؤشر إلى سلام حقيقي وتهدد استقرار المنطقة.
وعملياً، بالرغم من التنسيق المتصاعد بين عمان ورام الله، أصبح صمت الحكومة الأردنية إزاء هذه الخطوات الإسرائيلية مثاراً للجدال والنقاش، علماً بأن الثوابت الأردنية تكررت بأكثر من مناسبة عند التعليق على صفقة القرن، ودون «رفض مباشر» وأكيد ينطوي على مواجهة لها.
يحتاج المراقبون إلى تفسير وقراءة «دبلوماسية الصبر» الأردنية ليس على تفعيلات صفقة القرن الأمريكية، ولكن على الخطوات الإسرائيلية في الأغوار وشمالي البحر الميت تحديداً، والتي تعني الكثير سياسياً حتى برأي المفكر السياسي عدنان أبو عودة خلافاً لأنها تعني منع عسكري وجغرافي لقيام دولة فلسطينية حقيقية في الضفة الغربية وتدشين مشروع «تصفية» القضية الفلسطينية، كما يصر رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري.
في سياق الجدل، يبدو أن نخبة من السياسيين والمعلقين الأردنيين بدأت تميل إلى «إحصاء الخسائر» وترويجها في أوساط الجمهور على أساس عدم توفر القدرة على مواجهة استحقاقات صفقة القرن وإفشالها، رغم أن الاجتماعات النخبوية وتوصيات اجتماعات السفراء الخبراء توصي مرحلياً بالمواجهة عبر التشبيك السريع والصلب مع الشعب الفلسطيني، وتعزيز صموده في الضفة الغربية.
وقد أحصى على نحو أو آخر وزير الإعلام الأسبق، سميح معاطية، الخسائر المتوقعة عندما أعلن في مقال له بأن حصة الأردن من «التجنيس الديموغرافي» للفلسطينيين ستبلغ نحو «مليون مواطن جديد» خلافاً لضياع حقوق ملايين الأردنيين من أصل فلسطيني بسبب حقوق العودة.
لاحقاً، ظهر رئيس الوزراء الأسبق عبد الرؤوف الروابدة، في خطاب، يقرأ وقائع صفقة القرن الأمريكية ويحصي أيضاً الخسائر ضمنياً عبر الإشارة إلى أن المطلوب تصفية القضية وحلها على حساب «دول الجوار»، مشيراً في ندوة مصورة إلى أن الأردن سيكون الأكثر تضرراً في جوار فلسطين.
بمعنى آخر، حتى النخب الإعلامية والسياسية الأردنية، التي تحاول تهدئة الأردنيين ورفع معنوياتهم وسط الصمت الحكومي، لا تملك إجابات على الأسئلة المعلقة، ولا تتحدث عن «المواجهة والتصدي» بقدر ما تنشط ذاكرة الأردنيين بإحصاء «خسائرهم المتوقعة»، خصوصاً في ظل الإبلاغات الأمريكية الباطنية للأردن ولبنان بعدم بناء «رهانات مالية» على حقوق «تعويض للاجئين» باسم الدول والحكومات. وهو ما أبلغته عمان، في وقت سابق، لرئيس وزراء لبنان الأسبق سعد الحريري.