Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اراء و مقالات

نسخة «القلق» الأردنية: الكرك ثم «وسط العاصمة»… إشارات مبكرة لـ «العودة إلى الداخل»… أين تقف المؤسسات؟

عمان- «القدس العربي»: القلق في نسخته الأردنية له ما يبرره عملياً، ليس فقط على نطاق الملف الاقتصادي الذي كان ولا يزال معقداً، ولكن على نطاق تداعيات ومستجدات القضية الفلسطينية والاضطراب الإقليمي في سياق ترسيم محور الاشتباك بالنسبة للمؤسسات الأردنية.
قلق تم التعبير عنه مؤخراً على مستوى خطاب العرش ضمن معادلة “نشعر بالقلق لكن لا نخاف إلا الله”.
وتلك صيغة لا تصلح كبضاعة أو منتج يمكن ترويجه هنا أو هناك بين الحين والآخر، سواء لأغراض الحكومات الضيقة أو لتحقيق أهداف صغيرة وشخصانية بالنسبة لرموز الطبقة والنخبة السياسية.
لذلك، يمكن القول إن غياب السردية الحكومية في ملف القلق وأسبابه وكيفية مواجهته يبدو جزئياً ويدفع باتجاه التفسير والتأويل الذي تعوزه الدقة في أي وقت إذا ما اجتهد الأفراد في النص واستمرت رواية الحكومة في الغياب.
واضح أن الأردنيين عموماً وبعد أسبوع من خطاب العرش المهم والصريح باتوا في حالة بحث عن رواية وسردية تفسر القلق وتؤمن برفع المعنويات المتبادلة، لكنها لا تجيب عن أسئلة عالقة في ذهن المواطن مجدداً بعنوان: أين هي السردية التي ينبغي الاصطفاف حولها وإلى جانبها؟
بذل مجلس النواب جهداً محدوداً في محاولة الإجابة. وحكومة التكنوقراط القائمة، تؤمن بالتركيز على الملف الاقتصادي، وتتجنب الحديث في السياسة، أما أغراضها هنا فمفهومة أو يمكن استنتاجها، فيما الانحياز الكبير للرؤية الاقتصادية على حساب الشرح في الرؤية السياسية يحدث صنفاً مقلقاً من غياب المعلومات ويتسبب بحالة فراغ تدفع التأويلات والتكهنات، خصوصاً بعدما أخفقت المؤسسات التنفيذية في تقديم قراءة محددة أمام الرأي العام لمؤشرات القلق المرجعية، في الوقت الذي توجه فيها المؤسسة رسائل من وزن خاص في منطقة التشبيك مع المجتمع وسيناريو العودة للداخل.
بدأت القيادة هنا جولة في المحافظات عبر حوار احتفى به أهل مدينة الكرك جنوبي البلاد، وقد تعقبه حوارات مع أهالي محافظات أخرى بحضور الحكومة وكبار المسؤولين.
لاحقاً، ظهر الملك عبد الله الثاني شخصياً يتجول في الشارع وسط العاصمة عمان. تلك مؤشرات ظاهرها واضح وباطنها أوضح، وفكرتها الاشتباك الإيجابي مع الناس والاقتراب من نبضهم.
وفيما يؤسس الإطار المرجعي لمثل هذا السيناريو مرحلياً، لا تبدو المؤسسات التشريعية والتنفيذية على الأقل حتى اللحظة في وارد التخطيط لمبادرات ترتقي لمستوى التشبيك المشار إليه، ما يعيد السؤال القديم: هل تشعر السلطات والمؤسسات بالقلق أيضاً بنفس القدر والحجم؟ وكيف تتصرف إزاء ذلك؟ لكن لا جواب من الصنف الحاسم هنا.
ما يقرره سياسيون عميقون وخبراء هو أن الحاجة ملحة لأن تقترب الحكومة بدورها من القواعد الشعبية. وما يراه السياسي المخضرم الدكتور مدوح العبادي، هو الاحتكام للدستور والتأسيس لمصارحات ومصالحات وطنية، والعودة لفكرة تحاور الأردنيين فيما بينهم؛ لمواجهة المخاطر.
وجهة نظر ساسة متعددين تقول بأن الإعلان عن القلق هو مؤشر إضافي على الإحساس العام بوجود مخاطر لم يعد من الممكن إنكارها في كل حال، حتى برأي البرلماني النشاط الدكتور عبد الناصر الخصاونة، الذي يقدر بأن الاشتباك بين السلطتين التشريعية والتنفيذية هو الأساس -حرصاً على المصلحة الوطنية العامة- مادام الغموض يكتنف الاقليم برمته.
جهة المخاطر التي تنتج القلق مرتبطة على نحو أو آخر بملفين أساسيين، هما ما وصفه السياسي المخضرم طاهر المصري يوماً في نقاش مع “القدس العربي”، بالسيولة الاستراتيجية التي تجتاح المنطقة أولاً، ثم ما وصفه ساسة آخرون بسياسة الحصار الاستراتيجي الذي يفرضه اليمين الإسرائيلي، الآن ومرحلياً، على مصالح الأردن، ليس فقط في غزة والضفة الغربية، ولكن في الجوار والمحيط السوري حصراً، ثم اللبناني والعراقي.
تلك السيولة الإستراتيجية التي يتحدث عنها المصري، يمكن اعتبارها المنتج الأكبر للقلق الأردني. لكن الأهم في تعزيز وتغذية تلك السيولة هو غياب الضامن الأمريكي الذي كان له طوال عقود بصمة مؤكدة في حماية المصالح الأردنية، خلافاً لانتهاء 3 عقود من التفاهمات التي أعقبت توقيع اتفاقية وادي عربة عام 1994 مع ما كان يسمى بالدولة العميقة في الكيان الإسرائيلي.
اليوم، تختلف الكثير من المعايير؛ فالوضع الاقتصادي -كما صرح رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز- مثير للقلق.
نظرية التوسع الإسرائيلية اليمينية تثير كل هواجس التحريك الجيوسياسي، وغياب المظلة الأمريكية المريب يضغط بشدة على الأعصاب الحيوية للمؤسسات الأردنية، واندفاع الدول العربية للحرص على مصالحها الذاتية بعيداً عن العمل الجماعي المنظم بات من المسائل التي تنتج الزحام وتعيق الحركة.
تشخيص أسباب قلق الأردن قد لا يختلف عليه الفرقاء. والمواجهة يمكن أن تبدأ بنشاط وفعالية بعد الإقرار بالوقائع حتماً من خلال العودة إلى الداخل.
لعل بعض الإشارات المرجعية تبرز بكثافة هنا لإظهار الحرص على تلميع طريق العودة للداخل الأردني، ولكن في الإطار ذاته، ما زال المشهد يخلو من سردية مؤسساتية موحدة تحيي الأمل بتقليص الفوارق ما بين الخطاب والرؤية والمستوى التنفيذي، حيث تساؤلات المواطنين ما زالت ترتع وتنمو وتزحف في مساحة الفوارق بين النظرية والتطبيق، على نحو يؤسس لخلل ما لا بد من توفر الجرأة على مواجهته بنفس معطيات جرأة المكاشفة والإقرار والمتابعة.

 

اظهر المزيد

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading