اراء و مقالات

نقابات الأردن: الإسلاميون «ابتعاد برغبة».. «المهننة» تتقدم وغزة موجودة والمحامون في «الاشتباك»

رغم طغيان شعار «مهننة» العمل النقابي في الأردن، لا يغيب السياق السياسي عن زوايا محددة في الاشتباك الانتخابي الذي تخوضه أهم النقابات المهنية حالياً. وقد لا يغيب، في المقابل، عن نسخة الانتخابات المهمة للغاية التي ستجري في نقابة المحامين ظهر الجمعة، بعدما حسمت الانتخابات وتخللتها مفاجآت في نقابات مهمة أخرى، من بينها نقابات المهندسين والأطباء والصيادلة.
الإطار السياسي موجود ولكنه لا يحظى بالأولوية المطلقة في كواليس تحضيرات المحامين في انتخابات نقابتهم. وبصرف النظر عن رغبة السلطات وشعارات الأزمة مع الجماعات السياسية الإسلامية التي حظرت مؤخراً، يبقى الإطار القانوني في نقابة المحامين العريقة في جزء أصيل منه مرتبطاً بالملفات السياسية.
لعل نقابة المحامين ستظهر مستوى الانحيازات التكتيكية، خصوصاً أن النقيب الحالي المحامي يحيي أبو عبود الذي صوت له التيار الإسلامي في المرة السابقة يحتفظ بمكانته في صدارة أقوى المرشحين، خصوصاً في ظل خطابه السياسي الوطني الذي وازن طوال أشهر ما بعد 7 أكتوبر وتفصيلاتها وانعكاساتها ما بين دعم وإسناد أهل قطاع غزة والشعب الفلسطيني، وبين الحفاظ على جملة وطنية منضبطة وغير منفلتة عندما يتعلق الأمر بالمصالح الوطنية الأردنية وحتى ببعض حسابات الدولة المركزية.
أبو عبود المحسوب على الإسلاميين والقريب من غيرهم أيضاً، يخوض معركته الانتخابية وسط حالة نقاش مسيسة إلى حد ما في نقابة المحامين، منفردة بعدما أقصى خطاب «المهننة « والالتزام المهني الآن البعد السياسي في نقابات أخرى قد يكون أهمها نقابة المهندسين.
يذكر المراقبون أن نقابة المحامين في ظل مجلسها الحالي، تصدرت صفوف النقابات العربية في إجراء مشاورات ونقاشات قانونية دولية تحت عنوان الحرص على ألا يفلت المجرم الإسرائيلي من العقاب.
وأبو عبود قاد عملياً مؤخراً جهداً قانونياً يشتبك باسم المحامين في الاردن ضد وسائل إعلام خارجية لجأت إلى «تشويه» سمعة الإغاثة الأردنية لأهالي غزة، ما يجعله بعيداً عن خلفيته الفكرية والسياسة نقيباً للمحامين بمرتبة «رجل دولة».
ويعلم الخبراء أن اللجنة القانونية الفنية التي شكلتها نقابة المحامين الأردنيين للمساهمة في جهود أخرى تكشف عن جريمة الإبادة، لها بصمة لا يمكن إنكارها.
لذلك وبصرف النظر عما يريده المرشحون الآن وعن محاولات التسلل إلى طبقة المحامين بشعار «المهننة « فقط، يبقى جزء من بوصلة التصويت في واحدة من أعرق النقابات المهنية، وأهمها مرتبط إلى حد من الصعب إنكاره بما يجري في فلسطين المحتلة، خصوصاً أن اللون القومي واللون الإسلامي وفي بعض الأجزاء اللون الفتحاوي، تيارات موجودة ومستقرة في وعي طبقة المحامين الذين لا يستطيعون عزل نقابتهم لا عن الخطاب القومي ولا عن القضية الفلسطينية.
ذلك يبرز أن انتخابات المحامين أقرب إلى مناورة بالذخيرة الحية تؤشر على مكانة القضية الفلسطينية وسط الأسرة النقابية، لأن المرشح الأهم والمقصود أبو عبود هو صاحب الشعار الذي سمعته الهيئة العامة مرتين على الأقل في الزاوية الوطنية عندما قال إن المحامي الأردني يواصل الاشتباك وهو يرتدي ثوب العدالة والقانون، لكن عندما يتعلق الأمر بأي محاولة من العدو للمساس بالوطن الأردني سيخلع المحامون ثوب المهنة ويرتدون ثوب القتال العسكري تحت قيادة الجيش العربي.
مقولة مسيسة ومؤثرة لنقيب المحامين الأردنيين تجعل التسلل من باب التشكيك بالاعتبارات السياسية عملية صعبة ومعقدة، خصوصاً أن غالبية المحامين تحتفظ بممارسات ديمقراطية عميقة ولا تنتمي لطبقة الموظفين، وبالتالي هوامش الحرية في الاقتراع أمام المحامين في انتخابات شفافة ونزيهة وعادلة أكبر من تلك الهوامش عند زملائهم الأطباء والمهندسين والصيادلة.
في نقابة المهندسين قبل ذلك بأسابيع، حظي النقيب الحالي والجديد عبد الله عاصم غوشة بأكبر عدد من الأصوات. ولأن غوشة ورفاقه في مجلس النقابة ورثوا تركة صعبة ومعقدة نتجت عن أخطاء الألوان المسيسة في الماضي، صوت المهندسون للخطاب الذي يحاول إنقاذ مؤسستهم ونقابتهم بعيداً عن الاعتبارات والخلافات السياسية.
تمكن غوشة هنا من الحسم وبأغلبية كبيرة ولديه تفويض واسع للعمل على إنقاذ ما يمكن إنقاذه بعدما تبين لجمهور النقابات المهنية أن التيارات الإسلامية والقومية السابقة كانت من أسباب الأزمة وليس الحل.
لذلك، تنتظره في الإطار المهني والإداري مهمة صعبة. لكن واضح أن ثقة أعضاء الهيئة العامة به وبطاقمه قد تساهم في تحريك مياه راكدة في النقابة العريقة، في الوقت الذي ستعيد فيه انتخابات المحامين بعد فرز النتائج تسمية وترقيم بعض الأسئلة السياسية النقابية.
التيار الإسلامي موجود في نقابة المهندسين، لكن ليس في الصدارة ضمن وجبة تكتيكية تراعي الظرف الراهن. والمرشحون من محامي اللون الإسلامي أيضاً يجلسون على دكة الاحتياط في نقابة المحامين.
قبل ذلك، خطف تيار منافس للتيار الإسلامي مواقع الأغلبية في نقابة الأطباء، فيما شهدت نقابة الصيادلة تطوراً لافتاً عندما فاز في مقاعد مهمة في مجلسها مرشحون للحزب الديمقراطي الاجتماعي، في سابقة مرصودة توحي ضمناً بأن العلاقة بين النقابات المهنية وتيار إسلامي محدد لم تعد قدرية. والمثير في المسألة أن ذلك يحصل بتوافقات بين كل الأطراف.
خريطة النقابات المهنية الأردنية أقل اشتباكاً في السياسة، وأميل بعد انتخاباتها الأخيرة إلى شعار «المهننة». والإسلاميون الذين تم حظر جماعتهم لا ينافسون إلا بمقدار.
الأهم وبصرف النظر عن كل المعطيات، لا تزال غزة حاضرة وبقوة، وأغلب التقدير أن الهيئة العامة لنقابة المحامين ستقول ذلك، كما صوت المهندسون لبعض رمز التضامن مع غزة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading