«نميمة» مبكرة في الأردن تستهدف «مسار التحديث» وقانون الانتخاب
إحالة سبعة جنرالات من المنظومة الأمنية إلى التقاعد
عمان ـ «القدس العربي»: إحالة 7 جنرالات إلى التقاعد من المنظومة الأمنية الأردنية، بقرار واحد لمجلس الوزراء، خطوة لا يمكن حسابها إلا على الإطار والانطباع السياسي البيروقراطي الذي تشكل بعد انتخابات أيلول الماضي، في الوقت الذي تظهر فيه المنظومة الأمنية ذاتها قدرات متكررة على التكيف بمعناه الفني والسياسي الوطني طوال الوقت.
ما حصل في الانتخابات السابقة لم يكن في الواقع ضمن المخطط المحسوب، الأمر الذي لا يرتبط أولاً يمكن ربطه سياسياً فقط بجزئية مفاجأة التيار الإسلامي الكبيرة عندما فاز بـ 31 مقعداً دفعة واحدة بقدر ما له علاقة بالإخفاق الصريح في بناء برنامج مقنع يصعد بالأحزاب السياسية الوسطية التي تكاثرت لا بل دعمت وتم تسمين بعضها بعد وثيقة مسار تحديث المنظومة السياسية المرجعية في البلاد.
قراءة تلك الانتخابات ونتائجها والأهم انعكاساتها الوشيكة خصوصاً بعد انعقاد الدورة الدستورية للبرلمان، الإثنين المقبل والوشيك ولاحقاً مناولات الثقة بالوزارة الجديدة- لا تزال في إطار المرونة والمستجدات، لا بل والمفاجآت، حيث المسألة لا تتعلق بغطاء سياسي حاسم مرتبط بنزاهة الانتخابات بقدر ما تتعلق بمحاولة فهم الأسباب والمسوغات التي أدت إلى إخفاق مربك على صعيد بناء تصور وبرنامج الأحزاب السياسية.
تلك المرونة أصبحت برلمانياً أشبه برمال متحركة فيها كمائن، حيث صعوبات متوقعة في ضبط إيقاع مجلس نواب كتلة الأغلبية فيه مسيسة وإسلامية، ومستوى الإخفاق في نتائج القائمة الوطنية للانتخابات تحديداً أظهر سلسلة أخطاء في الفك والتركيب تحمل مسؤوليتها بطبيعة الحال ليس الجهات الرسمية البيروقراطية فقط، ولكن نخب الأحزاب الوسطية التي لم تقنع الشعب الأردني. وزاد في التعقيد أن تلك الانتخابات التي أثارت ولا تزال الجدل، عقدت أصلاً في ظل معركة غزة و«الطوفان» حيث وجدان الأردنيين معلق بالتفاصيل هنا، الأمر الذي انعكس طبعاً على نتائج التصويت والصناديق.
الإحالات على التقاعد ليست خطوة غريبة في الواقع الأردني، وتشكل استجابة مرنة للظروف والاعتبارات والمصالح، لكن ترتيب المشهد البرلماني لاحقاً قد لا يخلو من الصعوبات والسيناريوهات والمستجدات، فيما تلك الانتخابات على واقعها يفترض أن تشكل خطوة سليمة في اتجاه صلابة الجبهة الداخلية وذخيرة يمكن استثمارها وطنياً في الداخل والخارج.
إحالة سبعة جنرالات من المنظومة الأمنية إلى التقاعد
الأهم على الأرجح سياسياً ووطنياً، هو ذلك الانطباع المبكر الذي تشكل بخصوص مسار تحديث المنظومة السياسية في البلاد بعد الانتخابات واكتشاف حصة الإسلاميين في المجتمع وفي اللعبة الانتخابية بعنوان تأثيرات عكسية بدأ البعض يروج لها في الاتجاه المضاد لإكمال مسيرة تحديث المنظومة السياسية.
وحذر ساسة خبراء من «ردة» يتبناها البعض الآن في الاتجاه المعاكس لمسار تحديث المنظومة السياسية، وأعاد السياسي والبرلماني البارز الدكتور ممدوح العبادي عبر «القدس العربي» تكرار قناعته بأن الانتخابات النزيهة والديمقراطية قوة للأردن شعباً وحكومة، ملمحاً إلى توقعه أن تظهر اجتهادات تحاول الإيحاء بأن الأوضاع كانت مستقرة بصيغة أفضل قبل الانتخابات النزيهة.
وحذر الإسلاميون أيضاً من سياسات وبرمجيات حكومية تعيد المشهد إلى ما قبل تحديث المنظومة السياسية. وهو ما أشار إليه المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين الشيخ مراد العضايلة، عدة مرات، وهو يدعو إلى الاستثمار في مسار التحديث وعدم التراجع. ثمة من يزعم الآن بأن عملية كبح جماح مسار التحديث السياسي باتت مطلوبة.
والعنوان الذي يستخدم في تبرير هذا الطلب المعاكس للتحديث هو نتائج الانتخابات وظهور استعداد استثنائي لدى التيار الإسلامي حصراً في توظيف التحديث والاستثمار فيه مقابل حالة عجز عن التواصل مع المجتمع أقرت بها بعض قيادات الأحزاب الوسطية، ما يؤشر إلى خلل في الفك والتركيب.
يساريون ومحافظون وخصوم في الأيديولوجيا للتيار الإسلامي ومستفيدون كثر من عودة الأمور إلى ما قبل وثيقة تحديث المنظومة السياسية في البلاد «يتخندقون» معاً الآن للصعود بنظرية استدراكية تحذر من وقوع التجربة في حضن الإسلاميين وتبشر بوقف نمو مسار التحديث. هؤلاء طبعاً يمكن رصدهم وملاحظتهم في المشهد السياسي الأردني، ويمكن حساب بعضهم على الانتهازيين في اليسار والساعين للحفاظ على امتيازاتهم في اليمين المحافظ.
وثيقة التحديث عالقة اليوم في نقاشات ذات طابع مرتبط بنميمة سياسية مكثفة تستهدف تقويض الاتجاه والمسار والعودة لما قبل قانون الانتخاب المحدث الأخير. والمعنى هنا أن بعض الأصوات بدأت تصعد وتدعو لفرملة مسار التحديث في الجزئية الحزبية. ذلك غير ممكن بدون التراجع عن قانون الانتخاب الأخير، الذي ينص على أن المقاعد البرلمانية المخصصة للأحزاب السياسية يفترض أن ترتفع إلى نسبة 50 ٪ من المقاعد الانتخابات اللاحقة.
مراقبة الزحف البطيء في الاتجاه المعاكس لتحديث قانون الانتخاب أصبحت مهمة الضرورة الوطنية للأوفياء والمخلصين لمسار تحديث المنظومة السياسية في البلاد. والأحزاب الوسطية التي أخفقت تستطيع العودة، والأخطاء التي حصلت يمكن تصويبها. لكن النقاشات السلبية في الاتجاه موجودة أيضاً بصيغة نميمة سياسية الآن قابلة للتطور لاحقاً، بعنوان أقرب إلى هجمة معاكسة على التحديث السياسي، بذريعة ألا يستفيد منه التيار الإسلامي أكثر بعد الآن.