اراء و مقالات

لماذا لا يصدق الأردنيون مسار التحديث والأحزاب؟

الأرقام تعني ان الشارع المفعم بالإحباط لا يهتم ولا يحفل ويستقر في العزوف لان تشكيلات لأحزاب جديدة جذبت فقط فيما يبدو حتى الآن شريحتين من الناس.

عمان ـ «القدس العربي»: لماذا لا يصدق الأردنيون اتجاهات تحديث المنظومة السياسية في البلاد ويحجمون عن الانضمام إلى الأحزاب الجديدة أو حالتها؟

سؤال لا يرغب المواطنون ولا حتى النخب أحيانا بإشغال وقتهم في توفير إجابة عليه لان الإجابة التي يسمعها كل مراقب سياسي أو إعلامي تشير بكل الأصابع إلى مفردة «المصداقية».
وعند الغرق في بعض التفاصيل تصبح الشروحات واضحة الملامح وتتمحور حول العبارة التي يكررها وسبق ان كررها أمام «القدس العربي» الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي مراد العضايلة وهي «هو التضييق الأمني».
بالنسبة لخبير حقوقي ومراقب استثنائي مثل الدكتور موسى البريزات يفترض ان تنتبه دوائر صناعة القرار إلى ان مناخات الحريات العامة بما فيها حريات الرأي والعمل الحزبي لا تقبل أنصاف أو أرباع حلول ولا تقبل التسويات ولا تقبل التحدث بعدة لهجات.
يؤشر الدكتور البريزات هنا على تلك الازدواجية في الموقف الرسمي باعتبارها إجابة مباشرة على السؤال الأول البسيط حتى وان كانت بالنسبة لصناع محتوى مسار تحديث المنظومة ومنهم رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي ليست ازدواجية بالمعنى الحرفي بقدر ما هي تعبير عن حالة ذهنية وثقافية تحتاج لصبر وتدرج.
الأهم في كل المناقشات التي تبحث عن إجابة شعبيا ونخبويا وحزبيا تكثفت الإجابة في اتهام المصداقية بإنتاج الإحباط والتراجع وبالتسبب عمليا في ظاهرتي ضعف المشاركة والعزوف الحزبي.
لكن السؤال انتقل مؤخرا وفي ظل إلحاح الوقائع الرقمية إلى أضيق دوائر القرار في مؤسسات الدولة وأجهزة المتابعة أيضا، وقد يكون هذا هو العنصر الجديد في المشهد، لأن الدولة اليوم ومعها الحكومة هي التي تسأل عن أسباب العزوف الشعبي والاجتماعي عن العمل الحزبي بعدما أتيحت الفرصة للجميع بإطلاق رؤية مرجعية حظيت بالغطاء السياسي المطلوب. وتنتظر مغادرة منطقة التشكيك والالتحاق بالمشروع الوطني على حد تعبير البرلماني والسياسي محمد الحجوج، الذي يدعو وعبر «القدس العربي» أيضا إلى انتقال متدرج وموثوق وبخطى ثابتة نحو مستقبل الخريطة الحزبية فيما يتفق مع عضو البرلمان البارز خير أبو صعليك على ان السلبية وتعبيراتها في العزوف برفقة الإصرار على عدم تصديق ما يجري سرعان ما تصبحان جزءا حيويا من الإشكال خلافا لان السلبية لا تفيد أحدا.
أرفع مستويات صناعة القرار أثارت استغرابها الأرقام والحيثيات والبيانات التي أصبحت مسجلة اليوم في الهيئة المستقلة للانتخابات بعدما انتقلت ملفات إدارة ملف الأحزاب إليها.
يوافق عضو مجلس الأعيان وعنصر فاعل جدا في الحماس للاشتباك الايجابي مع مشروع التحديث مثل الدكتور مصطفى الحمارنة على ان الأرقام والوقائع الرقمية تتضمن رسائل لا بد من التوقف عندها وتأملها.
رقمان ظهرا مؤخرا في سياق جدل النخب الرسمية التي اجتهدت وهي تبحث عن إجابة على سؤال مرجعي تحاول قراءة ظاهرة العزوف عن الالتحاق بالأحزاب السياسية ضمن مشروع تحديث المنظومة وبالرغم من رسائل مرجعية مباشرة حاولت لفت نظر الجمهور إلى ان رؤية تحديث المنظومة الوطنية خيار للدولة وليس الحكومة ويمثل هوية المئوية الثانية.
الرقم الأول تحدث عن سجلات وكشوفات استقر فيها نحو 12 ألفا من أسماء المواطنين في تجارب الأحزاب الجديدة التي رقصت مبكرا ومنذ تسعة أشهر في حفلة التثقيف الحزبي الجديدة.
والرقم الثاني يرد في تقارير الحكومة وبياناتها وقوامه نحو 20 ألف مواطن مسجل بالأحزاب اليوم بصنفيها القديم والجديد.
تلك أرقام إذا ما كانت دقيقة وهي على الأرجح قريبة جدا من الدقة ليست دون الطموح فقط بل صادمة للغاية من حيث تواضعها الشديد قياسا باحتفالات مشروع تحديث المنظومة الحزبية التي تمارسها وتواصلها جميع المؤسسات في الدولة ومنذ تسعة أشهر. انها باختصار أرقام تدلل على عزوف غريب لا بل على صعوبة تسويق رواية التحديث وسط الناس رغم كل المغريات الملحقة بما فيها مقاعد مجانية للأحزاب في البرلمان ووظائف عليا متوقعة.
ما الذي تعنيه هذه الأرقام المتواضعة بصورة محددة؟
الإجابة واضحة عند الجميع لا بل يمكن القول انها صدمت بعض الحلقات الأساسية في القرار لأنها وبكل بساطة تعني عدم تصديق الشارع والمجتمع لروايات وحكايات التعددية الحزبية كما تعني ان مشروع تحديث المنظومة السياسية بلا حاضنة اجتماعية. والأهم تعني بان الشارع الأردني المفعم بالإحباط وليس التشكيل لا يهتم ولا يحفل ويستقر في العزوف لان تشكيلات لأحزاب جديدة جذبت فقط فيما يبدو حتى الآن شريحتين من الناس.
الأولى شريحة الوزراء والنواب والموظفين سابقا من الفئات التي لم يسجل عليها يوما الاهتمام أصلا بالأحزاب السياسية بالإضافة إلى طبقات جديدة من المستوزرين والباحثين عن مقاعد وألقاب وطبعا بين الشريحتين حشوات اجتماعية ومناطقية وعشائرية أحيانا تضم عدة آلاف من المتفرجين أو المستفيدين أو الذين يتوقعون الاستفادة.
ليس غريبا ان هذا العزوف يشمل اليمين والوسط واليسار البراغماتي كما يشمل دعاة التحول إلى التيارات المدنية.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى