هل تنتقل «عدوى» الحرب إلى درعا جنوب سوريا؟
بعد حلب وإدلب… الأردن في السؤال المزعج مجدداً
عمان ـ «القدس العربي»: « أطماع أردوغان العثمانية شمالي سوريا تؤذينا جميعاً وتهدد المشرق العربي بأكمله». هذا ما كتبه عضو البرلمان الأردني السابق طارق خوري، أحد أبرز رموز «المؤامرة على سوريا» وسط النخبة الأردنية تعليقاً على مسار الأحداث في حلب وإدلب شمالاً، مع أن ردود الفعل الأردنية الرسمية بقيت لليوم الرابع على التوالي صامتة تماماً دون أدنى تعليق على ما يجري في الشمال السوري، لا من جهة الحكومة الأردنية ولا من جهة حتى وزارة الخارجية.
الناشط السياسي خوري أطلق تحذيراً عملياً بتغريده خاصة صباح الأحد.
وفي الوقت ذاته، كانت القوات المسلحة الأردنية تعلن عن طائرة مسيرة جديدة تحمل «ممنوعات» وإسقاطها بعدما تسللت في اتجاه الأردن من الأراضي السورية. مفردة «الممنوعات» تعني استمرار المواجهة الأردنية مع ما يوصف بالبيانات الرسمية بشبكة تجار المخدرات السورية.
دون ذلك، لا كلام بالخطاب الرسمي الأردني والبيروقراطي وحتى الأمني عن الشمال السوري وتدحرج الأحداث فيه، بينما العيون الأردنية ترصد وتراقب انعكاسات محتملة لتلك البيانات التي صدرت عن هيئات عسكرية معارضة شمالي سوريا وبدأت تخاطب أهل الجنوب السوري ضد ما تسميه بالميليشيات الإيرانية في درعا ومحيطها، الأمر الذي ترصده وتراقبه السلطات الأردنية بحذر شديد هذه الأيام تجنباً للمنزلقات والمفاجآت.
الأحداث التي لا تزال غامضة شمالي سوريا، دفعت في اتجاه التأكيد على أن درعا وجوارها بالقرب من خاصرة الشمال الأردني قد تتحول مجدداً في إطار دراماتيكي سياسياً إلى مشكلة أردنية تنتج الصداع وتعيد تذكير الأردنيين بأنهم، أمنياً، سيسهرون مجدداً طوال الليل وهم يراقبون الحدود مع سوريا.
التوازنات الأردنية
لا مؤشرات بعد على تموقع المصالح والتوازنات الأردنية في التعاطي مع أحداث الشمال السوري. ولا بيانات من الصنف الذي يمكن أن يغضب أي جهة، في الوقت الذي يغيب فيه ولو مؤقتاً عن المسرح أردنياً الكلام الاستهلاكي المعتاد عن دعم وحدة الأراضي السورية.
يناقش الأردنيون باهتمام بالغ تطورات الأحداث على الشمال السوري. ويتحدث البرلماني والسياسي طارق خوري عن مؤامرة جديدة لصالح إسرائيل. والنشاط الثقافي المسيس لأنصار النظام السوري في عمان صعد في أدبياته مجدداً إلى السطح.
بعد حلب وإدلب… الأردن في السؤال المزعج مجدداً
ولا مستجدات مرصودة على الأقل لجبهة المعارضة السورية المسلحة التي تحمل اسم الجيش السوري الحر والتي ارتبطت في السنوات الماضية بعلاقة ما مع الأردنيين، فيما المؤسسة الأردنية تصنف أو تستمر في تصنيف الميليشيات الإيرانية وجبهة النصرة في محيط درعا باعتبارهما خصمين إرهابيين بالتصنيف الأردني.
ما اهتمت به منصات الأردنيين بكثافة هو الربط في أحداث الشمال السوري الأخيرة بين مجموعات عسكرية باسم المعارضة، وبين مشهد تداوله الأردنيون بكثافة، ويتضمن مسلحين معارضين يسيئون إلى العلم الفلسطيني تحديداً في أحد أحياء مدينة حلب.
الدعاية والدعاية المضادة تفاعلتا بنشاط وسط الأردنيين وتأويلاتهم وتحليلاتهم. والتسريبات والشائعات والسيناريوهات تتغذى على غياب الرواية الرسمية المحلية، فيما يعيد المخضرم طاهر المصري التذكير بضرورة أخذ كل الاحتياطات الوطنية بالحسبان جراء السيولة الاستراتيجية التي تمر بعها المنطقة.
عمان الحكومية خففت طوال الأعوام الأربعة الماضية كل صلاتها واتصالاتها بهيئات المعارضة السورية بالمنفى والإقليم، لا بل حرصت طول الوقت على التواصل مع النظام السوري والرئيس بشار الأسد، حيث زاره وزير الخارجية أيمن الصفدي مرتين على الأقل في العامين الأخيرين، وحيث تبادل الأردن رسائل عنوانها التقارب والتفاهم والبروتوكولات الحدودية مع القصر الجمهوري السوري قبل اندلاع الأحداث الأخيرة.
الوزير الصفدي في اجتماع مغلق قبل عدة أشهر وبحضور «القدس العربي» أشار إلى لقاءات موسعة طويلة عقدها مع نظيره السوري في إطار الترتيب لما سمي بإعادة تأهيل سوريا للعودة إلى الجامعة العربية.
الأهم في بعض اللقاءات هو أن الرواية الأردنية الدبلوماسية شرحت المأزق في المسألة السورية من وجهة نظر الأردن، فالحصار على النظام السوري ألحق ضرراً بالغاً بالاقتصاد الأردني.
والتحالف الغربي الذي قال إنه يسعى لإسقاط النظام السوري منذ عام 2011 لم ينجح في مشروعه، وبقيت الأزمة السورية معلقة ومؤثرة على ميكانزمات الأمن والاستقرار الإقليمي. ليس سراً أن الصفدي اشتكى من ذلك وخاطب بحدة في بعض الاجتماعات نظراء في أوروبا. وليس سراً أن الأردن لا ينفي خسارته الفادحة اقتصادياً بسبب قانون قيصر الأمريكي.
خسارة فادحة
وهو ما أشار له في حديث خاص لـ «القدس العربي» الخبير الاقتصادي البارز الدكتور جواد العناني، عندما تحدث عن الخسائر التي نتجت عن منع تصدير الكهرباء الأردنية إلى لبنان عبر الأراضي السورية بسبب المواصفات والمقاييس الأمريكية، داعياً بلاده للمطالبة بتعويضات لا تقل عن 5 مليارات.
يثبت كل ذلك أن التعقيدات بين الأردن والملف ألسوري متوفرة وبكثرة، وإدارتها والتعاطي معها بالقطعة والتقسيط هو الأسلوب المعتمد.
والأردن منذ سنوات قطع اتصالاته بالمعارضة السورية وأنهاها برموز ما يسمى بالجيش الحر، في إطار معادلة التقارب مع نظام دمشق. لكن تلك المقاربات تخرج عن سكتها الآن، ليس فقط بسبب تدحرج الأحداث الغامضة في إدلب وحلب، لكن بسبب احتمالية انتقال العدوى وعدم الاستقرار، ثم الصراعات المسلحة إلى منطقة درعا المحاذية لحدود الأردن شمالاً.