اراء و مقالات

«هل كتبها أردني؟»: سؤال بحجم وصفات الإصلاح الإداري و«إنذار مبكر» في حال الانقلاب على «الرعاية»

عمان ـ «القدس العربي»: حتى فضائية «المملكة» المحسوبة على الخط الرسمي الأردني لم تتمكن من تجاوز النقاط الساخنة في وصفات الإصلاح الإداري الجديدة، التي تحول معظمها إلى أنظمة ولوائح نشرت في الجريدة الرسمية، بمعنى اكتسابها لصفة القانون.
بإصرار واضح وعلى الهواء المباشر، وقف المذيع عامر الرجوب وهو يكرر نفس السؤال ثلاث مرات لضيفين أحدهما شبه رسمي: أأردني من كتب هذه التوصية؟

سؤال استنكاري

السؤال هنا استنكاري بوضوح، وعندما فسره المذيع شرح بأن من كتب تلك التوصية التي تثير الجدل ينبغي أن يعلم الشارع اسمه وهويته حتى يتكفل بالبدل المالي عن الأزمة التي ستحصل.
التوصية، التي يعترض عليها بسؤال استنكاري مذيع محلي نشط، هي تلك التي تتعلق باختصار بـ «حظر الوظيفة الثانية على الموظف العمومي».
قال الرجوب شيئاً عن توصية مقرة في إطار ما سمي بإصلاح القطاع العام تمنعه كمواطن موظف من العمل سائقاً لتاكسي أو من افتتاح بقالة لزيادة رزقه.
التلميح واضح في السياق، وهو أن من يضع التوصيات والتي تتحول إلى أنظمة ولوائح وقوانين هم مستشارون أجانب لا يعلمون شيئاً عن واقع الأردنيين الاجتماعي.
في الحلقة المثيرة، برز صوت الخبير الإداري هيثم حجازي وهو يقترح بأن من يريد منع الموظف من العمل في القطاع الخاص بأي وظيفة بهدف زيادة الإنتاجية، عليه أن يبدأ بتقييم تسعير الرواتب ويلحق الأمر بآلية للرفاه الإداري تخص الموظف، بمعنى صرف رواتب منصفة وإقامة شبكة مواصلات، وغيرها من الملحقات التي تضمن حتى الحد الأدنى من القدرة على الإنفاق للموظف.
لا يتعلق الأمر بحرمان الموظف العام من عدة ساعات يعمل فيها سائقاً أو بائعاً في بقالة فقط، فثمة توصية جديدة نشرت في الجريدة الرسمية في إطار الإصلاح الإداري تضع تصنيفاً جديداً ليس لوظائف القطاع العام، ولكن لتمكين المواطن الأردني لأول مرة من الاحتفاظ بها.
حتى صحيفة عمون الإلكترونية المحلية، نشرت ظهر الثلاثاء بالمانشيت العريض عنواناً يقول: «جميع موظفي الحكومة مهددون بالرحيل بعد 3 أشهر». طبعاً، قد لا تكون المسألة بهذه الحدية لأن التوصية الإدارية الإصلاحية هنا تقترح حزمة إجراءات لتقييم الأداء وتجعل كفاءة الموظف لأول مرة مرتبطة بسلسلة اختبارات يتقرر بعدها أن يحتفظ بوظيفته أو يغادرها.
هذا جديد تماماً على الأردنيين. ومعيار الأشهر الثلاثة مطبق عادة في القطاع الخاص وليس في القطاع الرسمي الحكومي، الذي يضم مئات الآلاف من أبناء الشعب المعتمدين تماماً على رواتب الخزينة.
توصيفات إصلاح القطاع العام والإدارة بدأت تثير الجدل مبكراً وسط الأردنيين وحتى وسط وسائل الإعلام، وهذا الملف – وهو في غاية الأهمية بالنسبة للجمهور- يتدحرج فجأة على أعتاب انتخابات نيابية مقررة يوم 10 أيلول/سبتمبر المقبل.
وبالرغم من وجاهة وأهمية بعض التوصيات في ملف الإدارة العامة، ثمة اتهامات مبكرة للحكومة لا تسندها الأدلة بعد بأنها ستذهب في اتجاه تقليص الكوادر في الوظيفة العامة، ولكن ضمن إطار عملية منهجية متدرجة سرعان ما ستثير تجاذباً ونقاشاً عاصفاً في المستوى العام، رغم أن بعض التعديلات القانونية وبعض التوصيات في القائمة التي ينبغي أن تمتدح إذا ما كان المواطن جاداً أصلاً في مطالبته الحكومة بإصلاح القطاع العام.
تلك الإجراءات جريئة بيروقراطياً، وسبق أن تجنبتها حكومات سابقة، لكنها مثيرة للصداع السياسي في توقيت حساس على المستوى الأمني والسياسي الإقليمي، برفقة ظرف اقتصادي عام أكثر حساسية، لأن الانطباع تراكم بعد سلسلة قرارات حكومية لم تطرح جيداً بعد بأن السلطة التنفيذية في طريقها لإجراء جراحات مؤلمة جداً تحت عنوان الإصلاح الإداري، قد تتطلب قوننة مسار الاستغناء عن الموظفين بعد الآن، فيما الاستسلام للمنطق الإداري القديم لتجنب القرارات غير الشعبوية قد يكرس الترهل الإداري وضعف الإنتاجية ومشكلات القطاع العام. يبدو واضحاً من مراقبة بعض الوسائل الإعلامية الرسمية أو شبه الرسمية، أن جهات القرار قد لا تكون موحدة خلف توصيات الإصلاح القاسية في مجال يسمى بـ «رفع إنتاجية الموظف العام».
السؤال الذي بدا غريباً على الهواء المباشر لفضائية «المملكة» هو إشارة إنذار مبكر في هذا السياق، توحي ضمناً بأن التوصيات متهمة مسبقاً بكتابتها وتسويقها إما من جهة صندوق النقد والبنك الدولي أو من جهة مستشرقين مستشارين تسللوا إلى اجتماعات وتوصيات الرؤية الاقتصادية باقتراحات قد تثير آلام الجراحات المطلوبة.
السؤال الاستنكاري وجزئية الأشهر الثلاثة في تقييم الأداء يوحيان بأن الجدل قد يتعاظم لاحقاً، فاللجنة التي كلفت أصلاً بالإصلاح الإداري لم تحظ بالغطاء المرجعي كما حصل مع لجنتين خططتا لتحديث المنظومة السياسية والرؤية الاقتصادية.
وبعض كبار الخبراء هاجموا مبكراً تلك اللجنة على أساس أن غالبية الأعضاء فيها لم يعملوا يوماً في القطاع العام، وهو الرأي الذي قاله مباشرة عدة مرات لـ «القدس العربي» الوزير والنائب السابق الدكتور ممدوح العبادي.

نصوص قانونية

تجاوزت الحكومة قبل أسابيع عملية القصف التي طالت تلك اللجنة. لكن التوصيات اليوم تحولت بصرف النظر عن اللجنة أو غيرها إلى نصوص قانونية، ما يعني بكل بساطة مرحلة جديدة من الاعتراض في توقيت حرج وملف حساس بقي طوال الوقت مرتبطاً بالإجابة على سؤال اقترحه كبار المستشارين عدة مرات في الماضي: كيف نتخلص من الإطار الرعوي لصالح دولة الإنتاج؟

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading