إسرائيل وهي «تعيق» الإصلاح السياسي في الأردن
لا يؤمن الناس فجأة أو بغتة بالعمل الحزبي بعيدا عن منهجية المواطنة وبعد عقود من الاقصاء والتهميش وكل سيناريوهات التخاصم والعداء الرسمي والبيروقراطي لفكرة الانضمام لحزب أو العمل الحزبي.
ولا يمكن التأسيس فعلا لمنهج ينتهي بخارطة حزبية واضحة الملامح ووطنية العمل والانتماء مادام ملف الإصلاح السياسي في بلد مثل الأردن يتم إبعاده والتعامل معه بالقطعة وعلى أساس انتهازي سياسي وضمن رفوف كاملة من معلبات المتحف البيروقراطي التي تتبنى عقيدة مرة باسم «الولاء أهم من المهنية» ومرة باسم «لا إصلاح سياسيا قبل حسم الصراع العربي الإسرائيلي.
سنوات طويلة وملف الإصلاح السياسي في الأردن ينهش أو يستهدف أو يتم التعامل معه بنظام التقسيط والقطعة ويغيب ثم يحضر فجأة بسبب فرية اسمها حسم القضية الفلسطينية والصراع مع إسرائيل.
غريب جدا أن تكون العلاقات مع إسرائيل دائما وابدا وبصرف النظر عن انقلابها وأحيانا تآمرها على مصالح الدولة الأردنية في أحسن الأحوال في الوقت الذي تتحول فيه القضية الفلسطينية لذريعة تستخدمها السلطة والحكومات المتعاقبة أحيانا لتأجيل وإرجاء الإصلاح السياسي والعبث بأفكاره وبرامجه وأحيانا أخرى لضرب منطوق ومضمون العمل الحزبي.
الغريب أكثر أن يسعى مسؤولون كبار لتبني الانفتاح في كل شيء باستثناء مظاهر الانفتاح على إصلاح سياسي حقيقي وجذري وعميق لا مستقبل لأبناء الأردنيين اليوم بدونه وينبغي أن يكون الجسر الطبيعي لتراكم تجربة شعب ودولة صمدا معا في الإقليم الملتهب طوال سبعة عقود.
طبيعي جدا أن يتوج صبر الأردنيين وحرصهم الشديد على مؤسستهم ودولتهم بتمكينهم من الاتجاه نحو العمل الديمقراطي والمدني والحزبي المنظم عشية مئوية الدولة وبعد تراكم خبرات الصمود والبقاء على نحو إبداعي وفي ظل خلو العقل الجماعي من أي ترسبات تطرح اسئلة الشرعية والمعارضة ووقوف هذا العقل فقط وتحت وطأة الالم والجوع والمعاناة عند سؤال الفساد الذي يمكن بطبيعة الحال تجاوزه وتجاهله إذا ما حسنت النوايا.
امتلك الأردنيون طوال عقدين على الأقل ترف الوقت الذي يسمح بالعبث في ملف الإصلاح السياسي والتعامل معه بنظام القطعة وبدون جدية.
في الماضي القريب لم يكن ينطوي الارجاء والتأجيل والعبث تحت لافتات متنوعة على كلفة حقيقية تنعكس على البلاد والعباد خلافا للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية اليوم حيث تبين أن في الإصلاح الحقيقي واللغة الواضحة حبل نجاة للدولة والمؤسسات وللمواطنين بنفس الوقت بحيث لا يحتمل الواقع الموضوعي المزيد من الاسترسال في اللف والدوران والمراوغة.
الغريب أن يسعى مسؤولون كبار لتبني الانفتاح في كل شيء باستثناء مظاهر الانفتاح على اصلاح سياسي حقيقي وجذري وعميق لا مستقبل لأبناء الأردنيين اليوم بدونه
كما يعلن رئيس الوزراء في الحالة الأردنية أن زمن المساعدات ولى إلى غير رجعة وأن برامج الاعتماد على النفس تصعد وتصاعد لا بد من الإقرار اليوم أن وضع الخطوة الأولى على سلم الإصلاح الحقيقي يتطلب الاعتراف أن سياسات التهميش والتقميش والتفليم التي كانت سائدة عند التعاطي مع هذا الملف في الماضي ينبغي أن تتوقف.
رموز السلطة والحكومة في حاجة إلى صراحة ووضوح أكثر من المواطنين في الأردن.
وعلى المؤسسات المرجعية اليوم أن تتحدث للناس والشارع وتبلغهم بالوقائع والحقائق الصريحة والمباشرة في سياق خيارين لا ثالث لهما إما عرض الحجج الحقيقية التي تمنع الإصلاح السياسي الجذري والعميق على أمل اقناع المواطنين.
أو البدء في اعادة ترسيم قواعد جديدة للعبة تؤدي إلى تحصين البلاد والعباد بخطوات سريعة وملموسة تحت عنوان الإصلاح السياسي وتمكين العمل الحزبي وعلى أساس تدشين مراحل أولى في بناء مشروع وطني يجمع الأردنيين ولا يفرقهم وتحت سقف الشرعية الدستورية بكل تفصيلاتها وفي سياق احترام ثوابت الدولة ومصالحها.
الأردن في امس الحاجة اليوم لخطاب راشد وعقلاني على الصعيدين الرسمي والشعبي.
والتشاطر والتذاكي ينبغي أن يتوقف عندما يتعلق الأمر بالحديث عن آمال الانتقال إلى خارطة حزبية ديمقراطية طبيعية.
الحديث عن ضرورة العمل الحزبي والطموحات بالوصول إلى تمكينه ايجابي ونبيل في كل الأحوال ويعبر عن تلمس مركز القرار لاحتياجات ومتطلبات المرحلة المقبلة على طريق دولة القانون والمؤسسات.
لكن المطلوب بالتوازي غطاء سياسي حقيقي يوقف تلك الاجتهادات الأمنية والبيروقراطية التي لا تزال تعتقد أن كلفة غياب الإصلاح السياسي الحقيقي والعمل الحزبي العميق اقل بكثير على الدولة والنظام والتجربة والمؤسسات من كلفة ارادة الإصلاح السياسي.
توجيهات المؤسسة الملكية في السياق واضحة ولا تقبل تفسيرين وتعزز القناعة أن ثقافة القرار تدعم مثل هذا الخيار الديمقراطي الإصلاحي.
لكن الحاجة ملحة بالمقابل إلى أن تلتزم الدوائر والاذرع التنفيذية في السلطة والحكومة بالخطوط العريضة للرؤية الملكية وأن يؤمن القوم في طبقات القرار التنفيذي أن التعددية الحزبية ليست ضد الدولة والنظام والثوابت لا بل قد تدعمه وتكون معه وتوفر له حماية اعمق.
ولا بد من أن يؤمن القوم أيضا أن المسرح الوطني لم يعد يحتمل ذلك البؤس والذي يروج فيه القرار المرجعي لتمكين الأحزاب في الوقت الذي تستهدف فيه في الواقع تنفيذيا تجارب العمل الحزبي سواء كانت لجهة التيار الإسلامي أو للتيار المدني وما بينهما من يسار متلون.