احتجاج في أقرب خاصرة للنظام السوري… الرمثا الأردنية و«رسائل تصعيد» خطيرة بعد «خطأ جمارك»
«السيجارة المهربة» تشعل الأجواء مجدداً وبيانات في غاية التصعيد
عمان – «القدس العربي»: بدت المناخات في مدينة الرمثا الأردنية الحدودية مع سوريا، خلال اليومين الماضيين، أقرب إلى التصعيد الشعبي والسياسي من أي وقت مضى، خصوصاً بعدما شعر أهالي المدينة باستهداف معيشتهم ورزقهم عبر قرار تم التعبير عنه بصيغة «خاطئة واستفزازية» لمدير عام الجمارك يتحدث عن السماح بـ»كروز سجائر فقط لكل مسافر».
لم تعرف بعد الأسباب التي أدت إلى انفجار الشغب في مدينة هي الأقرب على محافظة درعا جنوبي سوريا.
لم تعرف بعد أيضاً الأسباب التي أشعرت الأهالي بالاستفزاز الشديد جراء محاولة الحكومة حل مشكلتها المتفاقمة في عائدات الضريبة على حساب طبقة «البحارة» التي تقيم اقتصادها المنزلي على تمرير بعض المنتجات وعلب السجائر ضمن تفاهمات تصلح لكل المدن الحدودية. فالبضائع الآتية من سوريا مع سيارات أهالي مدينة الرمثا هي حصرياً مصدر رزقهم الوحيد.
الحكومة تعرف ذلك، وكذلك السلطات الأمنية، وقد استبق نائب رئيس الوزراء الدكتور رجائي المعشر مسألة السجائر ومنع عبورها من حدود سوريا بإعلان تهريب السجائر كحلقة أساسية من حلقات تراجع واردات الخزينة من الضرائب.
تجاوباً مع المعشر، يصدر مدير عام الجمارك تعميماً ويخطئ في تحديد اسم معبر جابر مع سوريا، حيث أهالي الرمثا يترزقون، دون الحديث عن جميع المعابر، فيبدأ الشغب في المدينة وينتفض البحارة المتاجرون بما تيسر من البضائع وتفتح مناخات المدينة الحدودية الملاصقة لسوريا على كل مناخات التصعيد الشعبي وسط مخاوف من أن تحاول جهات في النظام السوري «الاستثمار» في المسألة.
تقر رموز الحكومة بأن لغة تعميم مدير الجمارك بخصوص السجائر لم تكن موفقة. وفوراً بعدما ظهر ملثمون، السبت، وأحرقوا إطارات واضطرت قوات الدرك إلى التدخل، حاولت الحكومة إصدار بيان يحتوي التفاعل ويقول بأن المقصود ليس حصرياً معبر جابر مع سوريا، بل كل المعابر، وتم تشكيل لجنة وساطة تتحدث مع أهالي المدينة الغاضبة ومع نوابهم ورموزهم على أمل الاحتواء. الأهم هو الأدبيات التي توجه بها للاحتجاج والاعتراض من أبناء مدينة الرمثا، حيث أشرطة مع رسائل لرئيس الوزراء عمر الرزاز ووزير الداخية سلامة حماد تستخدم مفردة «ثورة». وحيث منشورات على التواصل تهدد مرافق ومنشآت في شمالي المملكة.
والأهم، وقد يكون الأخطر، حيث محاولة «تقليد» أسوأ ما في التجربة السورية من الصدام الأهلي عند تشكيل جسم جديد يتوعد الحكومة بلغة «تنسيقية الرمثا».
التصريحات التي صدرت باسم «تنسيقية الرمثا» كانت تصعيدية بامتياز، وإن كان الاحتجاج انعكاساً كبيراً للأزمة الاقتصادية والمالية المتفاعلة في الأردن، وانعكاساً أكبر على عدم وجود «مطبخ» حقيقي في حكومة الرزاز خبير في حسابات التفاصيل، حيث لا تعلن سلطات الجمارك -بصيغة تؤشر حصرياً على معبر جابر وفي توقيت حساس- إجراءاتها الجديدة، وحيث تعرف السلطات جميعها بأن أهالي مدينة كاملة يعيشون عملياً على ما تيسر لهم نقله من بضائع سورية بعد منع الاستيراد.
في كل حال، لغة التصعيد حتى فجر أمس الأحد عند المعترضين من أهالي الرمثا بدت متشددة فعلاً، خصوصاً أن المحتجين يعلنون الحرب على إجراءات الحكومة وبلغة تحد واضح لرئيس الحكومة ولوزير الداخلية.
وحيث – وهذا قد يكون الأهم – تركيز على محاربة «كبار المهربين» المتنفذين في البلاد بدلاً من استهداف صغار البحارة أصحاب السيارات.
هنا تحديداً ذكرت أسماء محددة في مسلسل ما سماه المحتجون «حماية مهربين ولصوص كبار» في مناطق شرق المملكة وشمالها، والجديد تماماً تحديد أسماء هذه المرة، وكشف هويات من بينها هوية لشخص سوري يتولى رئاسة مجموعة عشائر من اللاجئين ويعتبره أهالي الرمثا»مدعوماً بقوة» من شخصيات مسؤولة، ويدير عمليات تهريب ضخمة بعدما حظي بـ «الجنسية الأردنية».
قرار الجمارك الأردنية ضد صغار البحارة في الرمثا تبين الآن أنه لم يكن مدروساً بعناية، وعدة أطراف يمكنها أن تتسلل في مناخ التصعيد، خصوصاً أن الأمر يتعلق بالرزق وأكل الخبز، كما تقول تنسيقية المدينة.
الاعتقـاد سـائد وسـط مراكز السـلطة الأردنـية بأن جهات ما في سوريا تحاول إغراق الأردن فـي «السجائر المهربة». لكن تلك تبقى حجة تحتاج إلى إثبات وأدلة، وإن كـان قـرار الجـمارك الذي أثـار أزمة الرمثا وتسـبب بدحرجتـها بصـورة حسـاسة نتج عن غياب الفلترة والخبرة في طاقم الحكومة الاقتصـادي الذي يرفع اليوم بوضوح وبلا حكمة شعاراً يتمسك به وزير المالية عز الدين كناكريه، ويقول فيه: «الآثار والتداعيات ليست مشكلتي.. مشكلتي هي الأرقام».
اليوم لم يقتصر الأمر عند حكومة الرزاز على ثبات إخفاق سياسية التصعيد الضريبي وزيف أرقام الميزانية وتراجع نسبة الاستهلاك، وبالتالي واردات الضريبة.
اليوم، شغف الحكومة بزيادة واردات الخزينة بدأ يثير أزمات في العمق الاجتماعي والمعيشي، والأكثر خطورة «الأمني»؛ لأن المجتمع أصلاً في حالة هواجس وقلق، ولأن ما يجري يحصل في مدينة قريبة جداً من حدود سوريا وبصورة ينبغي أن لا تسمح بأي اشتعال في مرحلة حساسة.