استذكار لوصية الملك الراحل حسين بن طلال: «لا تثقوا في نتنياهو» ومؤتمر «وارسو» ليس أكثر من «صور»
الكاميرات العربية والإسرائيلية وحتى العالمية التي انشغلت بتغطية فعاليات مؤتمر وارسو الأخير أفردت مساحات واسعة لتسليط الأضواء على نقاط التماس بين أعضاء النادي الخليجي ورئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
بوضوح شديد يمكن القول إن وزيرين عربيين للخارجية على الأقل أفلتا من الأضواء تماماً ولم يتورطا بملاحقة الكاميرات، وهما وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي وصديقه المصري سامح شكري. الإشارة واضحة هنا وتؤكد بأن العالم، بما في ذلك التيار المناهض لإسرائيل في المجتمع الدولي ومنطقة الشرق الأوسط، «يتقبل» رؤية مصر والأردن في احتفال «تطبيعي» باعتبارهما دولتين توقعان معاهدة سلام مع دولة الاحتلال.
خفايا وكواليس تكشفها التفاصيل بعد «دولة» مايك بومبيو
لافت جداً للنظر أن الأردن، وعلى هامش لقاء ملكي مغلق مع محللين إعلاميين ومحليين جرى انتخابهم بعناية عشية مؤتمر وارسو، رفض أي تدخل لإجبار السلطة الفلسطينية على الحضور ضمن رؤية وأجندة أمريكية. طوال الوقت تعتبر الدوائر السياسية الأردنية مقاطعة رام الله للإدارة الأمريكية من ضروب «العبث والتسرع». وطوال الوقت تنصح عمان الرئيس محمود عباس بعدم وجود مصلحة له أو للفلسطينيين بأن يبقى في موقعه الحالي الرافض لأي حوار أو اتصال مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وعليه، يصبح السؤال شرعياً: ما الذي تغير في التقدير الأردني… ولماذا دعمت عمان خيار رام الله بعدم حضور وارسو؟
يبدو مثل هذا السؤال جاذباً للاستنتاجات، خصوصاً أن عمان كطرف يوقع معاهدة سلام مع إسرائيل لم تطور موقفها من مؤتمر وارسو الذي تتحفظ على أجندته من حيث الشكل والمضمون ليصل إلى مستوى المقاطعـة الفلسـطينية.
لذلك، وتجنباً لأي مجازفات اتخذ القرار الأردني على أساس الصيغة التالية: نشارك لغرض التواجد فقط ولنؤكد على مواقفنا ونتجنب الإعلام والظهور والزحام ونكرر تقديرنا وموقفنا من مجمل الأجندة.
على هذا الأساس حمل وزير الخارجية أيمن الصفدي حقيبته وغادر إلى وارسو وتجنب أي مبالغة في الحضور وأبلغ «القدس العربي» وغيرها، وهو في طريق الرحلة، بأن هدف المشاركة هو الإصرار على إبلاغ الجميع الموقف الأردني. بمعنى آخر، أظهرت المؤسسة الأردنية حرصاً واضحاً على «الحد الأدنى» من الظهور والمشاركة في وارسو.
الأهم أن الأردن ولأول مرة تقريباً لا يشارك بحماسة في «حفلة أمريكية لدعم إسرائيل مجدداً وتفكيك عزلتها»، ووفقاً لوصف مسؤول أردني رفيع المستوى حاول تقليب الحيثيات مع «القدس العربي». الإيحاء داخل مؤسسات القرار الأردنية بأن هدف وارسو أصلاً الترويج وتوفير الغطاء الدولي لاتصالات علنية لاحقاً بين أعضاء النادي الخليجي الـعربي وإسـرائيل.
الهدف الثاني لوارسو في الفهم الأردني هو الأكثر إثارة:.. أقنع الوزير مايك بومبيو الرئيس دونالد ترامب بأن تقديم «خدمات مجانية» لحكومة بنيامين نتنياهو في هذه المرحلة المعقدة من عمرها الانتخابي هدف مهم وأساسي حتى تطالب هذه الحكومة لاحقاً بتقديم «تنازلات مؤلمة». الانطباع هنا بأن ترامب وصهره جاريد كوشنر بصدد الإعلان قريباً عن تفاصيل ما يسمى بـ»صفقة القرن». وإن هذه الصفقة تتضمن «ضربة ما» موجعة لليمين الإسرائيلي باعتباره الهدف لتقديم تنازل مهم قريباً. ثمة داخل المؤسسة الأردنية من يعتمد على مثل هذا الاستنتاج، لكن تعوزه الأدلة، لأن قرار عمان المركزي عاد الملك عبد الله الثاني مساء الأحد وأبلغه لوفد من كبار الضباط الأمريكيين وبصيغة: «ليس أقل من دولة فلسطينية ذات سيادة وعاصمتها في القدس».
الأردن وفقاً للصفدي لا يتحدث بلهجتين هنا، ولا يعتقد كما فهمت «القدس العربي» مباشرة بأن المنطقة يمكنها أن تستقر أصلاً بدون إنصاف الشعب الفلسطيني وتمكينه من الحرية وتحديد مصيره ودولته وعلى أساس أن «بقاء الاحتلال» يغذي الإرهاب والتطرف، وهو الجريمة الأكبر. وبمعنى آخر، يتصرف الأردن على أساس أن لديه معلومات مسبقة قد يكون مصدرها المرجح الوزير بومبيو وقوامها أن صفقة القرن تتضمن قيام دولة فلسطينية وإجبار نتنياهو على تقديم تنازل. لكن في أضيق قنوات القرار الأردني قيلت العبارة التالية وفي اجتماع رسمي مغل: «لن نشتري السمك من ترامب مع البحر».
عملياً، يقول الأردن إن الحاجة ملحة للوضوح أكثر حتى لا تصبح مصالحه المباشرة قابلة للطي بناء على لعبة بهلوانية سياسياً من لاعب لا تثق به عمان هو نتنياهو، فطوال الوقت يقول الأردنيون بأن الرواية الوحيدة الأكثر تناقلاً عن الملك الراحل الحسين بن طلال فكرتها: «لا تثقوا بنتنياهو»، وهي رواية سمعتها «القدس العربي» طوال الوقت من سياسيين كثر، من بينهم المخضرم عبد الكريم الكباريتي.
تلك الرواية المنقولة تصدرت مجدداً في اجتماعات تشاورية أردنية تحدثت عن تلك الصور التي يخطط نتنياهو لأسباب انتخابية متسرعة ومغرورة لالتقاطها مع وزراء عرب في وارسو. لكنها في المحصلة «تبقى مجرد صور ليس أكثر»، ولا يمكنها أن تكون بديلاً عن السلام حتى عندما يلتقطها نتنياهو وسط 68 دولة في وارسو… هذا حصرياً ما قيل مرجعياً في أحد أهم مشاورات عمان.