اراء و مقالات

الأردن: الملك وبوتين وملفات «ملحة جداً» على النار السورية: غرفة عمليات «درعا» والكهرباء إلى لبنان

عمان- «القدس العربي» : لا يتعلق الأمر بفرضيات سياسية فقط، بل بهامش مناورة إضافي أمام الأردن، والأهم باشتباك مع الزوايا وتدوير المسارات، لأن قضايا ملحة جداً في الملف السوري على الطاولة قد لا تنتظر للغد.
في الوقائع السياسية والميدانية، زيارة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني المباغتة لموسكو سياسية لا بل، إلى حد ما، استثنائية وطارئة بامتياز، فالأردن لديه هدفان بالمقام الأول عندما يتعلق الأمر بروسيا ودورها في المنطقة. الهدف الأول هو إعادة إحياء الدور الروسي في غرفة العمليات والتنسيق المشتركة ميدانياً وعسكرياً وحتى استخباراتياً. والهدف الثاني بقاء قنوات الاتصال مفتوحة مع نافذة موسكو والرئيس فلاديمير بوتين بعد زيارة الملك الأخيرة إلى واشنطن، وحتى تسترخي أكثر سردية عمان بعنوان تدشين مرحلة من التفاهمات بين زعماء المنطقة والتحدث مع الدول الكبرى على هذا الأساس.
بتقدير مركز القرار الأردني، ذلك مفيد جداً مرحلياً، لأن بقاء روسيا ضمن مسارات القضية الفلسطينية وعملية السلام مسألة قد تقع في سياق الحفاظ أكثر على خيار حل الدولتين، حتى وهو مجرد خيار لفظي لا توازيه خطة أمريكية على الأرض وأشبه بأغنية أو قصيدة شعر حتى الآن ليس أكثر، على حد تعبير المفكر السياسي الأردني البارز عدنان أبو عودة. على الطاولة الأردنية الروسية، بوضوح شديد، أولويتان أساسيتان الآن تحتاجان إلى تشاور فعال ومنتج وبأسرع وقت مع موسكو.
الأولوية الأولى، بلا منازع، لها علاقة بتطورات الأحداث الأمنية والعسكرية في جنوب سورية وعلى أكتاف الحدود الأردنية مع القطر السوري الشقيق شمالي المملكة، مع أنها حدود تقول بكل اللهجات وعلى حد تعبير رئيس مجلس النواب الأردني الأسبق سعد هايل السرور، بأن عمان ستبقى في حالة سهر طويل.
الجانب الأردني هنا يريد من موسكو الضغط والتدخل الفوري أملاً في احتواء عودة القصف والعمل المسلح في درعا حصرياً وتجنباً لامتداد الصراع، فيما مصادر دبلوماسية غربية تشير إلى أن القيادة الأردنية تحاور وتناور مع روسيا وتطالب بتدخلها السريع جداً لاحتواء التصعيد في الجنوب السوري، فيما تعرض عمان ورقة جديدة قوامها إطلاق مشروع للحل السياسي مجدداً، ثم عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية. طبعاً، لا أحد يستطيع الآن تقدير اهتمام موسكو بالمنتج السياسي الأردني الناشط، وإن كانت عمان في حاجة إلى فهم معطيات الاشتباكات التي عادت مؤخراً إلى درعا ومحيطها من زاوية فهم كيف تفكر المؤسسة الروسية بسياقها.
موسكو طوال الوقت تقيم علاقات بالقطعة مع الأردن، وتبقي الباب مفتوحاً أمام تطور هذه العلاقات دون الإغراق في التفاؤل بانتقالها إلى مستويات إستراتيجية. وهو إطار في العلاقة بين عمان وموسكو، يسمح بالانتقال إلى بحث الطلب الأردني الجديد الملح، وهو تحصيل دعم روسيا سياسياً وأمنياً لمشروع مهم يخدم قطاع الطاقة والاقتصاد الأردني، ويتمثل بتوفير الحماية الروسية بالعمق السوري لمشروع تزويد الكهرباء إلى لبنان عبر الأراضي السورية.
وهو مشروع تفيد الأوساط المقربة من وزيرة الطاقة الأردنية أنه يبحث بتفاصيله وبأعلى المستويات.
والأردن هنا تحديداً، وبسبب وجود فائض بالكهرباء، لديه رغبة في تسريع عملية الانتقال إلى إجراءات فنية وتقنية تضمن تصدر الكهرباء إلى لبنان عبر الأرض السورية، الأمر الذي قدرت غرفة القرار الأردنية بأنه صعب المنال دون غطاء روسي، لا بل أيضاً دون توجيه رسائل ناعمة إلى إيران، في المقابل، تم توجيهها على أكثر من نحو مؤخراً ضمن معطيات الحزمة العميقة التي يقترح خبير مثل الدكتور أنور الخفش وهو يعصف ذهنياً مع «القدس العربي» أن لها علاقة بثلاثية «الأزهر – النجف – القدس».
تلك طبعاً ثلاثية مغرقة في التعقيد، وفيها من الرومانسية الكثير، لكن وطوال أسابيع أعقبت زيارة ملك الأردن الأخيرة لواشنطن، لاحظ الراصدون الخبراء كيف تتدحرج وتتطور براغماتية التنويع في المناورات السياسية الأردنية.
ولاحظوا أيضاً كيف يطور الأردن في اتصالاته؛ فيقطع مسافة في اتجاه تركيا، ويصالح قطر، ويهتم بالعراق، ويشبك ذراعه السياسي مع مصر، ويتحدث مع الإمارات، ثم ينتقل إلى موسكو بنفس الفترة الزمنية. في كل حال، الأجندة المصلحية والسياسية الأردنية في العمق السوري احتاجت تنشيط التشاور مع المطبخ الروسي، والعلاقات بين عمان وموسكو بالعادة كانت محكومة بمنطق عبارة تراثية أردنية محكية على مستوى السفراء والدبلوماسيين بعنوان «الحج وبيع المسابح».
لذلك كله، يمكن القول بأن الوقفة الملكية الأردنية في موسكو، حالياً أو مؤخراً، لها من الدلالات والتأشيرات ما يفيد بأن التفاصيل ميدانية والزوايا لوجستية وأمنية وليست سياسية فقط، وعناصر الاشتباك بحكم أولويات الملفات الملحة مصلحية وفيها قدر كبير من المرونة بالتوازي.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading