الأردن بدون «يوم أرض» و«دوار رابع» وتلويحات المعارضة بلا «زخم شعبي»
يرتفع فجأة منسوب التوقع فيما يخص حكومة الرئيس الدكتور عمر الرزاز في الأردن بعد التغييرات الكبيرة التي قررها القصر الملكي بالهيكل النخبوي ودوائر القرار ترقباً وتمهيداً لما يسمى الآن بخطة السلام الأمريكية الجديدة في وقت فقد فيه رئيس الوزراء على نحو مفاجئ ايضاً عنصر التوقيت الانسب في إجراء تعديل وزاري موسع على حكومته.
الانطباع أمس في الأردن ان الفرصة غير متاحة قبل ساعات فقط من شهر رمضان المبارك لإقرار تعديل وزاري موسع.
ورقة «التعديل الوزاري» في مأزق التوقيت… وزراء جدد على الأرجح في رمضان
والملاحظ ان حسابات المعارضة المناكفة التي تخطئ في اختيار شعاراتها وهتافاتها وكتابة بياناتها بخصوص ما سمي بـ «يوم الأرض الأردني» عبرت بدون حصول تلك التجمعات الهائلة في الشارع التي دعا اليها معارضون من بينهم الدكتور أحمد عويدي العبادي.
خلافاً لعبور المناسبة المنتحلة بإسم الحراك بعنوان يوم الأرض الأردني لم يشهد الدوار الرابع ايضاً في العاصمة عمان تجمعات توحي فعلاً بأن الشارع في طريقه للحراك الصاخب خلال سهرات شهر رمضان المبارك.
الموقف هنا ملتبس تماماً لأن الشارع اجتماعياً امتنع عن التجاوب مع بيانات صدرت باسم حراكيين او عشائر او شخصيات متقلبة في موقفها تتقمص دور المعارضة.
وفي كل حال تلك نتيجة ايجابية في حسابات حكومة الرزاز التي كانت قلقة من صخب حراكي في الشارع ينتهي بإقالتها وإخراجها من المعادلة بحكم تقليد أردني متخصص قديم حيث تغادر الحكومة عندما يغضب الشارع. وبطبيعة الحال كل السيناريوهات في المقابل محتملة فعبور مناسبة منتحلة بإسم يوم الأرض دون مسيرات او تظاهرات لا يمكن اسقاطه تماماً على سهرات رمضانية حراكية مفترضة تحت وطأة ارتفاع الاسعار.
لكن من المرجح ان التغييرات الكبيرة التي قررها القصر الملكي مؤخراً بخصوص تعيين طاقم استشاري جديد في القصر الملكي ورسالة التكليف لمدير المخابرات الجديد احمد حسني والمضامين التي وردت في رسالة التكليف الملكي له… كلها اشارات أظهرت للمزاج الشعبي بأن دوائر الدولة أيضاً قلقة وهي مسألة تحد من خروج الناس للشارع حفاظاً على الدولة والمؤسسات وليس العكس خصوصاً وأن دعاة التجمهر والتظاهر والمسيرات المليونية أخفقوا تماماً في إقناع مكونات وشرائح إجتماعية مهمة وعريضة بالمشاركة الحراكية.
كما تخفق حتى اللحظة التيارات داخل الإخوان المسلمين التي تحاول سحبهم للمشاركة في الحراك الشعبي وسط سلسلة مصافحات ومجاملات بين قادة الحركة الإسلامية والقصر الملكي أحرجت الجناح الداعي للعودة للشارع من قواعد الحركة الإسلامية.
«تبريد» جبهة الشارع المنفعل تحت وطأة الضغط الاقتصادي والعمل على التحاور مع القوى الإسلامية وإجراء تغييرات كبيرة في قيادات الديوان الملكي والمخابرات ..خطوات متحالفة ساهمت في امتصاص واحتواء الانفعال الشعبي خصوصاً أن رسائل الملك علناً نقلت على حد تعبير المحلل السياسي والإعلامي عريب الرنتاوي ما كان يقال بالهمس والصالونات إلى السياق العلني.
بمعنى آخر أنتج حراك مؤسسة القصر الأخير في أكثر من مساحة مناخاً تعاضدياً إلى حد ما احتوى دعوات التظاهر والحراك المتشنج وعزل الإسلاميين عن السياق الحراكي ورفع من منسوب الإحساس العام للمواطنين بان «الدولة» بصدد التعاطي مع تحديات حساسة مرحلياً.
الأمر حصل دون توفير ضمانات بأن لا ينفعل الشارع مجدداً مع إنطلاق شهر رمضان المبارك. لكن الملاحظ وبعد تغييرات القصر والأجهزة الأمنية الأخيرة ان رئيس الأركان الجنرال محمود فريحات ساهم بدوره في إطلاق رسائل تنبيه للرأي العام عندما تحدث عن مخاطر الشائعات والمنصات التواصلية خصوصاً فيما يتعلق بما يسمى بصفقة القرن الأمريكية. وتلك عناصر لا تستطيع المكونات الاجتماعية الأردنية تجاهلها حتى لصالح دعوات حراكية غير مقنعة أو منفلتة أو يتميز بعضها بالابتزاز السياسي او تصدر عن شخصيات غير جادة وتدعي المعارضة بينما تحركها تفاعلات المناكفة أو تطرح خطاباً انقسامياً يلفظه المجتمع.
والملاحظ أيضاً أن الإشارة لم تصدر بالتزامن مع كل التغييرات الأخيرة لرئيس الوزراء حتى يجري التعديل الوزاري المنتظر قبل شهر رمضان في إشارة تعيد إنتاج الرواية التي ترى أن مركز القرار قرر تأجيل التعديل الوزاري حتى يحتفظ بورقة «التغيير الوزاري» في حال انفعل الشارع بصخب واصبح لزاماً على المؤسسة إقالة الحكومة لتفادي أزمة حراكية اعمق واكبر تطالب بتغيير «النهج» وإستعادة الدولة ومحاكمة فاسدين كبار.
بمعنى آخر ثمة نظرية تتحدث عن وجوب التضحية بالرزاز نفسه في حال احتقن الشارع بطريقة خطيرة خلال عبور محطة شهر رمضان المبارك مما استدعى حرمانه من ورقة التعديل الوزاري تكتيكياً على ان يصبح التعديل لاحقاً جزءاً من منظومة استعادة الثقة في حال حصول أزمة والأهم حلقة من حلقات استعادة زمام المبادرة وإكمال تغييرات عليا ترفع منسوب التفاؤل وتوحي بالأمل للشارع وبصيغة تتيح إجراء التعديل فعلاً في توقيت استرخاء خلال شهر رمضان وليس قبله.