الأردن: تراجع مؤشرات حريات التعبير واستمرار ظاهرة اعتقالات أصحاب الرأي
أدخل رئيس الوزراء الأردني الدكتور عمر الرزاز ملف حقوق الإنسان والحريات العامة وحتى التظلمات الحقوقية في منحنيات عرجة جدا سياسيا وحزبيا عندما جازف في سابقة هي الأولى من نوعها تمثلت في تعيين الأب الروحي لأحد الأحزاب السياسية إسلامية الطابع رئيسا لمجلس أمناء المركز الوطني لحقوق الإنسان.
لا يتعلق الأمر هنا بالدكتور إرحيل الغرايبة شخصيا، بقدر ما يتعلق بالدلالات التي تنتج عن خطوة من هذا النوع على أساس انها تعكس عمليا مستوى اهتمام حكومة الأردن وسلطاته ومؤسساته بملف حقوق الإنسان أصلا.
يبدو وحسب نشطاء حقوقيون كثر من بينهم عايد العلي المختص في رصد انتهاكات حقوق الإنسان في الأردن، أن اختيار شخصية حزبية من حيث الشكل وليس المضمون فقط في موقع مهم على رأس الجهاز الرسمي اليتيم الذي يعنى بملف حقوق الإنسان وتظلمات الحريات للمواطنين، هو في حد ذاته رسالة تؤكد ان السلطات غير جدية أصلا في منح هذا الملف الاهتمام الذي يستحقه.
في مقاربة العلي ورفاقه من نشطاء حقوق الإنسان، من غير المنطقي والمعقول مخالفة الأسس والمبادئ المتعلقة بميثاق باريس المرجعي في خطوة إجرائية من هذا النوع، حيث ان نصوص الشرعة الدولية والتقاليد المستقرة في مؤسسات المجتمع المدني والحقوقية إضافة إلى المواثيق المرجعية، تحضر من حيث المبدأ وجود أشخاص حزبيين في أو على رأس مؤسسات معنية بتكريس حقوق الإنسان.
بهذا المعنى يصبح تعيين الدكتور الغرايبة خطوة غريبة وغير مفهومة تخالف في ما يبدو ما تعارف عليه المختصون في ملفات الحريات والحقوق، فالرجل يترأس حزبا سياسيا مرخصا هو حزب زمزم الإسلامي وسبق له أن قاد انشقاقا شهيرا من جماعة الإخوان المسلمين.
حقوق الإنسان الأردني
ويوافق الرئيس التنفيذي لمركز “حماية وحريات الصحافيين” نضال منصور على أن فكرة تعيين شخصية حزبية وليست حقوقية على رأس المجلس الوطني لحقوق الإنسان أثارت نقاشا وجدالا. قد تبدو لامعة سياسيا ولكنها بصورة مرجحة غريبة وتحتاج إلى تفاسير خصوصا وأن المسألة لا تتعلق بشخص من يتم اختياره وتعيينه بقدر ما تتعلق بالمبادئ المتعارف عليها في الوقت الذي لا تخلو فيه الساحة الأردنية من خبرات متعددة في المجال الحقوقي.
التلميح هنا واضح تماما إلى افتقار الحس الحكومي للعديد من المؤشرات التي تدعم أي قناعة بوجود أولوية اسمها حقوق الإنسان الأردني.
المسألة الثانية التي ينبغي ان تؤخذ في الاعتبار في هذا التعيين الإشكالي تتمثل في ان الدكتور الغرايبة وهو مفكر وكاتب إسلامي وأخ مسلم سابقا وقريب من السلطات، أيضا صاحب سجل حافل في الاختلاف والتخاصم مع اتفاقية “سيداو”.
وأثارت ناشطات في مجال حقوق المرأة هذه المسألة على هامش القرار واجتهد الغرايبة نفسه لتبديد الصورة بعد جلوسه في موقعه الجديد وهو في كل الأحوال من المواقع الاعتبارية.
هنا أيضا تبدو حكومة الأردن غريبة جدا، فهي ملتزمة باتفاقية “سيداو” أصلا ولا تفسير لقرارها بتعيين الغرايبة الذي أعلن عدة مرات انه ضد هذه الاتفاقية ومقرراتها ونصوصها على رأس مؤسسة حقوقية من بين أهدافها مراعاة بنود اتفاقية “سيداو” مع كل ما تقتضيه من منع للتمييز بين الجنسين أو بين المجموعات السكانية ومن دعم وإسناد لحقوق المرأة والطفل.
حقوق المرأة
يسجل الغرايبة ككاتب إسلامي موقفا متقدما نسبيا في قضايا حقوق المرأة لكنه مثلا يتحفظ على منح الجنسية لأبناء الأردنية ولأسباب سياسية معروفة.
أيضا موقف رئيس أمناء الوطني لحقوق الإنسان في الأردن ملتبس قليلا عندما يتعلق الأمر بما توافقت عليه معاهدات الشرعة الدولية البارزة بخصوص المرأة وضرورة تعديل كل التشريعات لصالح منع أي تمييز ضدها.
وفي عدة مواقف سابقة ونصوص مكتوبة كان لرجل حقوق الإنسان الجديد في الأردن مواقف علنية في مسائل تخص حقوق مكونات وشرائح في المجتمع وطبعا في بعض الأحيان في الاتجاه المعاكس لـ 11 بندا عالميا لها علاقة بحقوق الأفراد والمجموعات السكانية.
ويقر منصور والعلي وغيرهما بأن مسألة الغرايبة أثارت الضجيج وان كان الأمر لا علاقة له بشخصه أو مواقفه، كما يقر المعنيون بنشاط حقوق الإنسان والحريات العامة بأن موقف الأردن يتراجع بحدة في هذا المجال خصوصا في ظل ورود المزيد من التقارير الدولية التي تنتقد إجراءات تتعلق بحقوق السجناء واعتقالات أصحاب الرأي والعنف وأحيانا التعذيب خلال فترات التوقيف والاعتقال وهي في كل الأحوال مسألة تنفيها السلطات الأمنية مرارا وتكرارا. إضافة إلى الاعتماد على محاكم خاصة واستثنائية خارج نطاق القضاء المدني مثل محكمة أمن الدولة.
يحصل ذلك بالتزامن مع وجود نشطاء في الاعتقال لأسباب سياسية ولها علاقة بحريات التعبير وبالتزامن مع الانتقادات المتعلقة بحزمة مزايا أبناء الأردنيات، مع ان المستشارة الجديدة في مقر رئاسة الوزراء لملف حقوق الإنسان من الداعمات بقوة لحقوق المرأة في نقل الجنسية لأولادها.
المجتمع المدني
لكن في المحصلة كل هذه الانتقادات يمكن أن يضاف لها ظهور رغبة جامحة عند أطراف في السلطة في السيطرة على مؤسسات المجتمع المدني وتشويه أعمالها ومشاريعها تحت ستار وغلاف ما يسمى بالتمويل الأجنبي.
وفي كل حال في الختام انتبه الغرايبة نفسه لما يمكن ان يثار ضد سجله في الماضي فاستبق الأحداث وتقدم ببيان وإفصاح يفهم منه حرصه في الموقع الجديد على تمثيل خدمة الصالح العام وإنصاف المواطنين والقيام بالواجب المطلوب مع كل ما يلزم من تنحية المواقف والاتجاهات الشخصية والايديولوجية والفكرية والحزبية.
قد تبدو مهمة صعبة جدا خصوصا وان الغرايبة أعلن بالتزامن مع تعهداته استقباله للمهنئين في منصبه الجديد في مقر الحزب الذي أسسه وهي إشارة تدفع للاعتقاد بان تحفظات ومحاذير المختصين في ملف الحريات وحقوق الإنسان في البلاد لها ما يبررها.
ومن الطبيعي هنا وإزاء تلك الإشارات المتناقضة والمتعاكسة التوثق من أن التغيير الذي أبعد خبرات حقوق الإنسان والحريات لصالح أحد الأحزاب عن رئاسة مجلس أمناء المركز الوطني لحقوق الإنسان اقتضته اعتبارات بيروقراطية وأمنية وسياسية لصالح مقايضة بين الرزاز ومؤسسات رسمية.
قبل ذلك رفضت شخصيات بارزة واعتبارية عرضاً من الرزاز بالموقع الذي حظي به الغرايبة، فرئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري، كما تردد اعتذر عن قبول الموقع.
والوزير السابق محيي الدين توق اعتذر عن الموقع أيضا، بمعنى أن شخصيات وازنة تقدر الظروف التي يتحرك فيها وبصعوبة بالغة برنامج حكومة الرزاز في مجال الحريات وحقوق الإنسان خصوصا وان الرئيس السابق للموقع نفسه وهو السفير الدكتور موسى بريزات كان قد سجل موقفا علنيا مشاكسا عندما انتقد قرار وزارة الداخلية بمنع مواطنين معتصمين بالعشرات فقط من التواجد أمام المركز لمرتين.
واعتبر هذا المنع إشارة سلبية وتدخلا في عمل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، حيث أن الشكوى والتظلم والتذمر من قبل الجمهور جزء من ميكانيزمات المركز نفسه. وحيث ان واجب المركز وهو ما التزم به أيضا الغرايبة تزويد صانع القرار في الحكومة وخارجها بتقارير دورية عن حالة ومؤشرات الحريات العامة إضافة إلى متابعة التظلمات الفردية ومؤسسات المجتمع المدني والتنسيق معها.
بالتزامن مع تعيين شخص حزبي في الموقع الهام اعتباريا، بدأت الحكومة بفرض المزيد من القيود على حركة النقد المالي للأعمال والمشاريع الممولة والتي تشرف عليها المئات من مؤسسات المجتمع المدني ضمن سلم أولويات تزداد ارتباكاً عندما يتعلق الأمر في ملف حقوق الإنسان والمرأة والطفل والرأي والتعبير والتنقل والحقوق المدنية.