الأردن: تقرير «مدسوس» قرع جرس الخطر… «تسريبات» بالجملة والقصر «منزعج»
الحديث أردنياً عن رصد «مكالمات» بين طرف داخلي وآخر خارجي انتهت بتسريب المزيد من الشائعات المقلقة عن «خلافات أقطاب في بنية القرار» هو مؤشر حيوي على: أولاً، عودة ظاهرة التسريبات بفعل حمى الاستقطاب السياسي والأمني في المنطقة.
وثانياً، منسوب الارتباك الناتج عن تلقف هواة أو معارضين أو مواطنين أردنيين بدون حكمة للأنباء المفبركة وتحولها إلى مادة سياسية أو اجتماعية أو إعلامية تتحدث عن صورة «غير مستقرة» للأردن.
عواصم مجاورة منشغلة إلكترونياً بعمان والأسباب سياسية
مفهوم «الأمن السياسي»، بالتوازي، تغيّب عن الواجهة طوال الفترة الماضية بمعية تزايد ملموس في نشر وبث الروايات السلبية خصوصاً من أطراف داخلية تتلقف الروايات والتسريبات وتعيد إنتاجها في سياق الابتزاز العام المألوف، لكن في توقيت حساس للغاية وفي ظل عجز لم يعد من الممكن إنكاره على مستوى أدوات الإدارة وأحياناً الحكم.
وخلايا الدعم والولاء الإلكترونية المشكلة في غرف عدة للمؤسسات تخفق بالمقابل في التصدي والمواجهة ليس فقط لأن عدد الغاضبين والمحتقنين في الشارع الشعبي يزيد مع الأزمة الاقتصادية وفشل الحكومة في إقناع الشعب بسياساتها الاقتصادية.
ولكن أيضاً لأن الهجمة من الغرف الإلكترونية في الجوار كبيرة جداً والسلطات حتى اللحظة «لا تستعين» بخبراء من وزن ذوي الكفاءة، أو ممن يستطيعون إدارة معركة سياسية في غرف الدردشة على الشبكة الإلكترونية.
التحدي الفني والتقني الأهم أن التسريبات المفبركة، سواء أكان فيها بعض المعلومات الصحيحة أو تعتمد على الشائعات، تتحول اليوم وسط شلل مؤكد في جهاز الإعلام الرسمي المخترق والمرسوم أصلاً على أساس «أمني» خارج سياق الكفاءة والمهنية، سرعان ما تتحول اليوم إلى مادة إعلامية دسمة تؤثر في صورة المملكة بالخارج، بل في الداخل الاجتماعي أيضاً.
بعض خلايا التدقيق والعمل اجتهدت في محاولة تتبع تقرير أمني «مدسوس» ومفبرك حظي بمساحة إعلامية واسعة في الإعلام العربي المرئي والمكتوب رغم أنه ركيك في المعلومة والصياغة.
أما التقديرات الأولية لهجمة تسريبات جديدة تطال الأردن على مستوى المؤسسات الرسمية، فتؤسس لاستنتاجات في غاية الأهمية وأحياناً في غاية الخطورة، وتم إغفالها في الماضي والامتناع عن معالجتها.
الاستنتاج الأبرز يؤشر على توفر قرائن تفيد بأن بعض غرف الهجمات الإلكترونية والوسائطية في عواصم عربية عدة تقف وراء فبركات وتسريبات تتقصد التوتير والتأزيم في الأردن. هنا تحديداً لدى «القدس العربي» معلومات عن نشاط إلكتروني مخاصم في دمشق والرياض وفي بعض الأحيان في أبو ظبي وتل أبيب.
وفي كل الأحوال، عدد لا يستهان به من منتجي الحكايات التشويشية على الأردن والأردنيين متواجد في العاصمة الأمريكية واشنطن حيث شخصيات «فلسطينية» تعلن رسمياً تشكيل أطر حكم بديلة في الأردن وأخرى «أردنية» تضم لاجئين سياسيين أو موتورين يغرقون الأسواق بعشرات القصص والتسريبات التي تنتج التأزيم في الحالة الأردنية.
الاستنتاج الأكثر أهمية يتمثل في الإشارات الواضحة إلى أن منتجي التسريبات عن الأردن، قيادة وشعباً، لديهم أصدقاء في عمان يتولون مهمة التزويد بالأخبار المفبركة والإسناد المعلوماتي، والأكثر إثارة أن هؤلاء الأصدقاء بعضهم يعمل في وظائف رسمية أو على صلة قرابة عائلية بشخصيات بارزة جداً في إدارة الدولة. طبعاً تمتنع الحكومة الأردنية عن عرض التفاصيل.
لكن أجريت بعض التحقيقات وحصلت توقيفات ولم تعد السلطات قادرة على نفي حالة «انفلات» بيروقراطية تقلق جميع أطراف القرار، وإبطالها موظفون حاليون وسابقون يتعاونون مع معارضين أو مروجي شائعات في الخارج بدعوى الاستثمار فيهم واستخدامهم في عمليات لا تتميز بالكفاءة وسرعان ما تنقلب على مصالح البلاد وسمعتها وعلى رموزها.
من هنا تحديداً حصلت إقالات في الماضي القريب والعام الماضي لموظفين كبار كانت وظيفتهم التصدي للتسريبات فاكتشفت دوائر القرار أنهم المسربون الأكبر.
ومن هنا، يمكن قراءة تنصل جنرال متقاعد بارز، هو الفريق مشعل الزبن، من حادثة لها علاقة بشقيق له، قائلاً بأنه لا يتواصل معه من عامين بعدما اعتقل في مطار عمان قبل أيام بسبب تواصل له علاقة بتسريبات وشائعات مضرة، كما تنصلت عائلته من حادثة «تطاول» مفترضة وأعلنت أنها بانتظار القضاء، حسب مضمون بيان نشرته وكالة الحقيقة الدولية.
ومن هنا أيضاً، تم تشكيل طاقم متخصص بخبرة أمريكية سابقة على أمل التوصل لمعالجة لملف التسريبات التي سرعان ما تتحول إلى مادة دسمة تلوكها الألسن في الشارع والحراك والمعارضة وتتداولها النخب على نطاق واسع. لوحظ بوضوح مؤخراً بأن تحدي الشائعات والتسريبات زاد في ظل انتظار صفقة القرن وتراجع العلاقات الأردنية السورية والأزمة المستمرة في بنية العلاقة بين عمان والرياض، وفي ظل شعور القرار الأردني بأن الشقيق والحليف يتركه وحيداً في مضمار مواجهة خطة غامضة يمكن أن تعبث بكل شيء باسم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ولوحظ أيضاً بأن منسوب «الانزعاج» في مركز القرار المرجعي من ظاهرة الانفلات المعلوماتي والتسريب وصل إلى مستويات غير مسبوقة مؤخراً، خصوصاً بعدما بدأ بعض الموظفين يجتهدون في قضايا وملفات «حساسة جداً».
ومثل الوضع المشار إليه لا يمكنه الاستمرار، ومن الصعب التعايش معه عملياً. وعليه، يتوقع وفي الأيام القليلة المقبلة أن يتولى مركز القرار المبادرة مباشرة وتحصل تغييرات عميقة جداً ليس في «الهيكل» فقط، إنما في الرموز والأدوات أيضاً.