الأردن: خبر عاجل يختفي فجأة عن «سكرتيرة في موقع حساس» وأخرى تتلقى «راتباً ضخماً»
البرلمان: بدأت مزايدة «الزحف إلى فلسطين»
يصل الاضطراب إلى أقصى مداه سياسياً وعملياً عندما يبدأ أعضاء البرلمان في الأردن بترك الوزراء وكبار المسؤولين والتحدث عن السكرتيرات.
بدون تزامن مقصود، حصل الأمر مرتين على الأقل أمس الثلاثاء وتحت قبة البرلمان. صحيفة «الغد» نشرت ما وصفته بالخبر العاجل الذي اختفى فجأة بعد أقل من ساعة على نشره. لكن قبل اختفاء الخبر، تواجد – كما يحصل في العادة – على مجموعات التواصل الاجتماعي الأردنية ودون توضيح وملابسات وتفاصيل. ويقول الخبر، نقلاً عن القطب البرلماني والإسلامي صالح العرموطي، بأن الحاجة ملحة إلى إعادة فتح ملف سكرتيرة كانت تعمل في مكتب السفير الإسرائيلي وانتقلت إلى العمل في موقع حساس في الدولة.
يبدو كلام العرموطي هنا مثيراً للغاية، والمثير أكثر هو نشر الخبر والتصريح لصحيفة يومية ثم إزالته بسرعة.
طبعاً هو لم يحدد ولم يكشف تفاصيل أو أسماء، والمسألة – حسب مصادر مقربة منه – لها علاقة بفتاة عملت فعلاً في مكتب السفير الإسرائيلي لفترة طويلة، ثم شوهدت في اجتماعات وخلوات متعددة من النوع الذي لا يحضره إلا خبراء متقدمون أو موظفون في الدولة.
طبعاً، يتم تداول هذه الحادثة على نطاق ضيق وسط النخبة، خصوصاً في ظل قرائن على أن السكرتيرة الغامضة تقدم بعض الاستشارات الأمنية بين الحين والآخر، لكنها بكل حال ليست مسألة أو ملاحظة من النوع الذي يطرحه نائب ثقيل الوزن بحجم العرموطي وتحت قبة برلمان، إلا إذا كان المقصود مرة أخرى المناكفة والمشاكسة والضغط على مؤسسات الدولة.
سكرتيرة أخرى حظيت باهتمام النواب أمس بالتزامن، حيث قال النائب فواز الزعبي وهو يعترض على المخصصات المالية للقضاة، بأن إحدى السكرتيرات في هيئة الاستثمار تتقاضى مبلغاً كبيراً ما بين ثمانية أو عشرة آلاف دينار.
تلك معلومة عن سكرتيرة، براتب عملاق وبدون مبرر، من الصنف الذي يستفز الرأي العام ويحرض الذاكرة الجمعية ويصنع تكهنات على شبكات التواصل ويعزف بدهاء وأحياناً بخبث على وجع الناس الاقتصادي.
أدركت هيئة الاستثمار ذلك مبكراً، وأفصحت عبر إبلاغ عام منددة برواية النائب الزعبي، وقالت إن راتب السكرتيرة المقصودة لا يزيد عن 600 دينار.
لكن عموماً، التحرش فجأة بملف السكرتيرات النافذات من قبل بعض نواب البرلمان يعكس في مساره السياسي مسائل عدة لا علاقة لها بالموضوع أكثر ما لها علاقة بالشكل، حيث رغبة جامحة قبل الدورة العادية المقبلة والأخيرة للبرلمان الحالي في التصعيد بمواجهة الحكومة، والرغبة بمخاطبة غرائز المجتمع والسعي لطرح ملفات مهمة أو مثيرة للجدل في غير وقتها ضمن مقتضيات ومقتنيات الاستعداد للموسم الانتخابي المقبل، حيث تكون الدورات الأخيرة في مجالس النواب بالعادة مليئة بالطروحات والأسئلة الحساسة ومفعمة بالقضايا الساخنة وفيها كثير من الاستعراض، وفيها أيضاً كثير من المزاودة الوطنية والسياسية التي تتوسع وتنمو في الأفق التشريعي وعبر الميكروفون وأمام وسائل الإعلام كلما اقترب موعد الاقتراع القادم في لعبة بدأ حتى الرأي العام يرصدها ويلاحظها.
ومن الواضح أن التحرش بملف مثل السكرتيرات برلمانياً قد يعزز مناخات سلبية ويثير مخاوف لها علاقة بطبقة من الموظفات تعرف الكثير وبتجاذب محتمل بين مراكز القوى.
لكن بالتوازي، ثمة ما يوحي بأن الاندفاع النيابي، خصوصاً عشية موسم الانتخابات التي قد تكون مبكرة، قد يلجأ إلى لتصعيد الشعاراتي والخطاباتي على الأقل في الأسابيع المقبلة أكثر فيما يرى المراقبون أن مثل هذا الأمر طبيعي جداً.
ويندرج تحت سياق الاستعراض نفسه تلك الدعوة بتوقيع النائب قيس زيادين بعنوان التوجه إلى الأغوار والجسور بهدف «الزحف إلى فلسطين» كما أعلن،
وهنا خطاب انتخابي بوضوح؛ ليس لأن الزحف ممكن أوغير ممكن، بل لأن الزاحف أو الداعي للزحف هنا له سجل مقدر بالمواقف الوطنية لكنه لا ينتمي فكرياً وسياسياً إلى وصلات الجهاد والزحف المقدس ضد إسرائيل، بما فيها تلك التي سبق أن اقترحها زميله طارق خوري.
حركة رئيس لجنة فلسطين البرلمانية، النائب يحيى سعود، في اليومين الأخيرين، تنتمي إلى نفس العائلة المرتبطة بالهوس الانتخابي، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بطرد السفراء وإلغاء اتفاقية وادي عربة ووقف التطبيع وإعلان النفير العام، حيث يعرف سعود أكثر وقبل غيره بأن موازين الواقع تمنع بلاده حتى من التفاوض على استعادة أراضي الباقورة وبصورة سياسية ملموسة، ما يجعل اقتراحه بإلغاء اتفاقية وادي عربة خارج سياق الواقع والمنطق والميزان. لكن، وكما يحصل بالعادة، ثمة ضغط على الحكومة والسلطة عشية الدورة الأخيرة للبرلمان والانتخابات الوشيكة، وهي مسألة تعلم الدولة الأردنية كيف تتعامل معها دوماً.