الأردن لكوشنر: «أرسلنا لكم المحاسب»… ولمهندسي صفقته: الإخوان شرعية «الشارع»… وللسعودية: «مفاجأة مع قطر قريباً»
تطابق لافت مع البيان المصري… ومقدمة أتعاب مرفوضة
صدقت النبوءة المبكرة للاعب سياسي ودبلوماسي أردني محنك بوزن وزير الخارجية الأسبق ناصر جودة عندما سأل منذ أسابيع: ماذا لو قال لنا الأمريكيون «سنشطب» ديونكم كلها؟ أو ماذا إذا وضعنا أمام اختبار «مالي واستثماري» صعب ومعقد ويقابله «كلف سياسية» أكثر تعقيداً؟
عندما طرح جودة هذا الاستفسار في جلسة نقاشية خاصة أمام «القدس العربي» كان يؤشر إلى ضرورة دراسة السيناريوهات والاستعداد للاحتمالات ضمن نطاق الاستثمار في الخطوط الاختراقية المهمة التي تفتحها القيادة الأردنية للمؤسسات وللنخب.
يبدو أن المحظور بمعناه الأمريكي «المالي» بدأ يحصل مع عمان، فالمستشار جارد كوشنر لوح، مساء السبت، بـ 50 مليار دولار ستقدمها ورشة عمل البحرين لأربع دول على 10 سنوات.
حصة الأردن «غير المضمونة بكل الأحوال» هنا سبعة مليارات ونصف مليار دولار ستنفق، أو هذا ما يفهمه صناع القرار الأردني، على مشاريع لها علاقة بتحسين وتحفيز بيئة العمل والنشاط التجاري والاقتصادي في الضفة الغربية ومواقع تواجد اللاجئين الفلسطينيين.
لا يبدو المبلغ إطلاقاً مغرياً، ولا يعالج مشكلات الاقتصاد الأردني، وقد يعزل عن «دعم الخزينة»، ولا علاقة له بـ «شطب ديون». هذه وصفة مثيرة تبقي الأردن محتفظاً بـ»كلّا الثلاثية» ورافعاً لصوته السياسي، والأهم تبقيه مؤمناً بـأن ما يسمى بصفقة القرن خيار مؤجل إلى إشعار آخر، وهو ما ألمح إليه شخصياً الملك عبد الله الثاني في آخر لقاء له.
لذلك، أعلنت الخارجية الأردنية، وفي وقت متأخر تماماً وبالتزامن مع إعلان نظيرتها المصرية، المشاركة في «ورشة البحرين».
هنا يمكن ببساطة ملاحظة أن بيان الناطق الرسمي باسم الخارجية الأردنية يماثل نظيره المصري، حيث بداية واسعة بعدة فقرات تعيد تكرار مواقف لها علاقة بحل الدولتين والشرعية الدولية ودعم حقوق الشعب الفلسطيني، ثم فقرة أقصر في الختام تتحدث عن مشاركة في مؤتمر البحرين وقرار إيفاد «نائب وزير المالية» المصري للمنامة، أما نظيره الأردني فهو «أمين عام وزارة المالية».
هذه المقاربة في نص البيانين الأردني والمصري ليست صدفة بالتأكيد، وتنطوي على رسالة دبلوماسية للطاقم الموصوف أردنياً بالجاهل، والذي يدير الأمور في «البيت الأبيض».
ضمنياً، في اللغة الدبلوماسية، تقول القاهرة وعمان إنهما ستحضران بوفد «تقني وفني» متخصص بإحصاء المال سيتعامل مع المعروض. وما لم يشر إليه البيانان أن تلك المبالغ المالية التي حاول الأمريكيون التحدث عنها كـ «مقدمة أتعاب» قبل 72 ساعة فقط من انعقاد ورشة البحرين لا تكفي لجمع «قمامة القاهرة» ولا لجر مياه الديسي حتى تشرب العاصمة عمان.
المعنى أنها مبالغ بائسة جداً ليست بالحجم الذي يدفع مصر والأردن للتفكير بتقديم أي تنازل على درب الزواج بصفقة كوشنر وفقاً لتعبير دبلوماسي أردني مخضرم لفت النظر وهو يتحدث لـ «القدس العربي» قائلاً بأن «الجنازة مع هذا البؤس الرقمي حامية، والميت مدفون».
بكل حال، وفي نهاية شهر رمضان المبارك الأخير، كان رئيس الوزراء الأردني الدكتور عمر الرزاز يتحدث بحضور «القدس العربي» عن إنعاش «خطة وطنية للفطام» عن المساعدات والاعتماد على الذات. لذلك، وجه الأردنيون رسالتهم بحذر شديد لمهندسي البحرين وصفقة القرن على شكل تركيبة وفد مشارك بأول حلقات الصفقة تقول ضمنياً..»أرسلنا لكم المحاسب».
طبعاً لتثبيت الترويج والإغراءات، أوصلت السفارة الأمريكية في عمان، مساء قرار المشاركة، ملاحظة قصيرة توحي بأن مبلغ الـ 50 مليار دولار الذي تحدث عنه كوشنر مجرد «مقدمة مالية».
طبيعي إزاء هذه الملاحظة أن تدعي عمان بأنها سترسل، إذا اختلف الكلام لاحقاً، «محاسباً أكبر» هو وزير المالية.
فعلياً، بهذا النمط من التعليقات الساخرة جداً بين كبار الموظفين، صيغت حيثيات قرار المشاركة في البحرين، وعمان صاغت رسالتها بذكاء حتى اللحظة وتحملت كلفة «التشكيك الشعبي» الطافي على السطح بمجرد إعلان المشاركة بالبحرين بالثوابت.
الأجندة المالية على الأقل لتحضيرات الأمريكيين وحلفائهم الخليجيين بالنسبة لغرفة القرار الأردنية واضحة اليوم، فالحديث عن «تعويضات لاحقة» تدفع للاجئين الفلسطينيين مباشرة بدلاً من حق العودة، وأموال تنفق على المخيمات عبر الحكومات بدلاً من وكالة الأونروا، وبعض المليارات هنا وهناك على مشاريع في الضفة الغربية وغزة وجنوب لبنان بعنوان «تحفيز البيئة الاقتصادية».
ببساطة، يعني ذلك بأن «خزينة» الدولة الأردنية خارج الحسابات، وبالتالي الشعب الأردني واقتصاده خارج الحسابات. تلك «وصفة مالية ورقمية» أقرب للانتحار التام بالمواصفات الأردنية، ومن الصنف الذي يثبت أولاً «جهل» الطاقم الذي يدير الأمور في واشنطن.
ويثبت ثانياً مستوى «الكيدية» عند اللاعبين الخليجيين الذين يناكفون الأردن خلف الستارة عبر مؤتمر البحرين وبواسطة كوشنر، وثالثاً هي على الأرجح وصفة من نوع لا يقترب إطلاقاً من سؤال التكهن المبكر للوزير المخضرم ناصر جودة.
وعليه، كانت الجملة التكتيكية الأردنية الرسمية في الرد والتعليق على مستوى التنكر والاستهداف، حتى اللحظة على الأقل، ثلاثية الاتجاه. أولاً، إرسال «محاسب تقني» ووفد الحد الأدنى للمنامة.
ثانياً، الترخيص لمسيرتين على الأقل وملتقى وطني ونشاطات علنية للإخوان المسلمين في الشارع باسم «إسقاط صفقة القرن ومؤتمر البحرين».
وثالثاً – وقد يكون الأهم – تسريب سريع وفعال لمعلومة «تطور كبير جداً في العلاقات الأردنية – القطرية قريباً»، وهي صيغة تبدأ افتراضياً من عودة السفير القطري إلى عمان، بمعنى اعتزال الحصار على دولة قطر، وقد تنتهي بلقاء قمة قطري أردني.