الأردن والمقايضة الأخطر: البرلمان نفسه أو إسقاط صفقة «الغاز الإسرائيلي»
لا يستطيع رئيس الوزراء الأردني الدكتور عمر الرزاز الاحتفاظ بطاقمه الوزاري الحالي إذا طالت مهمته وتجربة حكومته إلى ما بعد القمة العربية والنسخة المحلية من اجتماع قمة دافوس حتى منتصف نيسان/ابريل الحالي.
ومؤخرا حسم الرزاز الخلاف بين بعض وزرائه وقبل زيارته الأخيرة للرياض لصالح وثيقة لها علاقة بالإصلاح السياسي قررت الحكومة طرحها على الرأي العام والبرلمان والايقاع السياسي.
هذا الحسم مؤشر حيوي على أن نائب رئيس الحكومة والرجل الثاني في الطاقم الدكتور رجائي المعشر في طريقه لمغادرة الحكومة وعند محطة أقرب «تعديل وزاري» بدأت غالبية الأوساط السياسية تتحدث عنه ويحول دونه زمنيا على الأقل جدول أعمال الملك عبد الله الثاني المزدحم بلقاءات دولية وعربية من أجل ملف مدينة القدس.
ورغم كل ما يقال عن خلافات بين الرزاز ونائبه المعشر، إلا أن الأخير تصرف كرجل دولة ودافع عن خيارات الحكومة بشأن إتفاقية الغاز المثيرة للجدل التي يحاول البرلمان الإطاحة بها عندما أصر على أن الحكومة سترسل استفسارا للمحكمة الدستورية بشأنها.
ويخطط المعشر لمغادرة الحكومة بدون ضجيج محتمل. لكن مذكرة لحجب الثقة عن الحكومة قد تخلط الأوراق خصوصا إذا تمسك 16 نائبا بها ضمن مقايضة «الثقة بالوزارة مقابل إلغاء اتفاقية الغاز».
ويعلم النواب أن الحكومة لا تستطيع إلغاء اتفاقية الغاز مع إسرائيل وتضيف سرية بنودها غموضا على الموقف الملتبس.
لكن مراقبة الشارع لكل ما يجري على صعيد القضية الفلسطينية وقرارات الرئيس الأمريكي الأخيرة بشأن ضم الجولان لإسرائيل والاعتداءات التصعيدية على قطاع غزة، من العناصر التي تمنع عمليا مجلس النواب من التراجع عن موقفه وتحول دون أي تسييس للمسألة ضمن معطيات اللعبة البرلمانية.
وهنا يتوقع أن تدخل السلطتان في أزمة بسبب حرص النواب على ضغط حكومة الرزاز حتى تلغي اتفاقية بين شركتين والإصرار على حجب الثقة بالمقابل في مواجهة شارع تواق للإثارة ومزاج حاد مع التصعيد الملكي ضد إسرائيل والولايات المتحدة بشأن ملف القدس.
إلى أن تحصل هذه الأزمة قد لا تسمح الظروف للرزاز بإعلان تعديل وزاري موسع على فريقه كان قد بدأ به قبل التوثق من أن العلاقة مع السلطة التشريعية مستقرة، والسلطتان تجاوزتا تأزيم العلاقة بملف الغاز الإسرائيلي المسروق.
وأي تعديل وزاري في ظل الظرف الزمني الحالي و»شعبوية» الاتجاه البرلماني سينطوي على عملية «تفخيخ» سياسية بالرغم من عدم جدية النواب في المقايضة المشار إليها، وصعوبة التورط في تحمل كلفة إلغاء اتفاقية استراتيجية كالغاز مع الإسرائيليين، فرضت بقرار أمريكي سابق في عهد الرئيس باراك أوباما.
بالنسبة للمتسبب الأبرز في إعادة فتح اتفاقية الغاز للنقاش المحامي صالح عرموطي، فهذه الاتفاقية لها بعد تاريخي وتمس السيادة الأردنية ومن واجب النواب التحدث عنها وتفكيك خلفياتها وأسرارها لأنها تضع الشعب الأردني في خدمة الهيمنة الاستعمارية الإسرائيلية.
العرموطي وفي وقت مبكر رفض نصائح عدة بأن يتجنب تقديم خدمة لإتفاقية الغاز الإسرائيلي عبر الإصرار على طرحها للنقاش وإخراجها من الأدراج بصرف النظر عن القدرة الحقيقية على إلغائها.
ورأي الخبراء الذي سمعه العرموطي، كان يؤشر على أن فتح ملف الغاز الإسرائيلي دون التمكن من إلغاء الاتفاقية في النهاية قد يعني «شرعنة» هذه الاتفاقية.
تلك مجازفة قبلها عرموطي مبكرا عندما رفض التسييس هنا مع اتفاقية في منتهى الخطورة ترهن قطاع الطاقة الأردني للحضن الإسرائيلي العدو والخصم.
بمعنى آخر لا تزال بعض القوى العميقة تحذر من أن عدم تمكن البرلمان من إسقاط الاتفاقية سيعني في النهاية أنها أصبحت شرعية وأقوى من البرلمان وهي معادلة مربكة يعرفها النواب المعنيون بالتصعيد الشديد وقد تساهم في تأزيم العلاقة بين السلطتين.
إسقاط إتفاقية الغاز هدف لا يستطيع النواب إنجازه رغم موقفهم العاصف الذي عبر عنه رئيسهم عاطف طراونة عندما خاطب المعشر قائلا إن الاتفافية يرفضها الشعب بصرف النظر عن أي تبرير أو شرح دستوري.
في الوقت نفسه لا تستطيع حكومة الرزاز العبث بورقة استراتيجية عابرة لها وشكلت في الماضي القريب خيار دولة بالنسبة للأردن باسم صفقة الغاز حيث بوشر فعلا باستملاك عقارات وقطع أرض لأغراض أنبوب غاز عابر.
وفي قياسات الموقف السياسي الآن والمزاج العام من الصعب ان يتراجع الرأي العام عن المطالبة بإسقاط تلك الاتفاقية بعدما تلمس رغبة الحكومة في التلاعب بها كورقة ضغط ليس أكثر.
وعليه فإن الموقف متأزم فعلا والخيارات مفتوحة. وهي خيارات تؤثر على توقيت وشكل وهوية التعديل الوزاري كما تؤثر تماما على العلاقة بين السلطتين. والسبب هو المحظور الوشيك حيث لا تريد كل الأطراف أن تدخل في مقايضة أعقد وأكثر حساسية قوامها «بقاء البرلمان نفسه» مقابل إسقاط صفقة الغاز.