اراء و مقالات

بعد خدش «الوصاية»: الأردن في «إحصاء المخاسر» لاعب على الطاولة أم «مغيث ومسعف» فقط؟

مغادرة السفير الإسرائيلي عمان الورقة الوحيدة الناعمة بين يدي الحكومة

عمان – «القدس العربي»: يوسع الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية الوزير صخر دودين، قليلاً من هوامش المناورة السياسية عندما يعلن بأن خيارات بلاده مفتوحة فيما يخص التعامل مع الاحتلال.
الأردن يقوم بواجبه في دعم الشقيق الفلسطيني… هذا ما قاله الوزير دودين أيضاً، دون أن يكشف أي تفاصيل لها علاقة بخيارات بلاده المفتوحة إزاء التطورات العسكرية الحادة غربي نهر الأردن.
للتو كان رئيس لجنة فلسطين البرلمانية محمد الظهراوي، يلوح هو الآخر بخيارات مجلس النواب إذا ما تجاهلت الحكومة مضمون المذكرة التي أجمع النواب على توقيعها وتبناها القطب البرلماني خليل عطية.
الظهراوي شرح بأنه يتحدث عن خيارات مثل حجب الثقة عن الحكومة أو حتى عن وزير الخارجية في حال تجاهل ما يطالب به نواب الأمة، لكن النائب عطية أبلغ «القدس العربي» بأن الحكومة ليست في موقع تجاهل الصوت الجماعي لمجلس النواب، وعلينا الارتقاء إلى مستوى الحدث والاشتباك بعد إصرارها على أن إسرائيل تلعب بالنار.
لا أحد يمكنه ترسيم أو توقع ترسيم الخيارات المفتوحة التي يتحدث عنها الوزير دودين، لكن للتو أيضاً كان الملك عبد الله الثاني قد أمر بإقامة جسر جوي لمساعدة وإغاثة الأراضي المحتلة. ما يقترحه النواب مقاربة سياسية وطنية أردنية تتجاوز مفهوم الإغاثة. وما يريده الشارع الأردني إجراءات بعضها غير واقعي سياسياً مثل فتح الحدود مع فلسطين المحتلة، وبعضها الآخر ممكن برأي السياسي والوزير والبرلماني السابق الدكتور محمد الحلايقة، حيث الاعتداء صارخ – كما فهمت «القدس العربي» منه – ليس فقط على الشعب الفلسطيني الأعزل، ولكن على مصالح الدولة الأردنية باعتبارها حامية القدس والمسجد الأقصى. ولا يمكن معرفة ما إذا كان الوزير دودين يقصد بالخيارات المفتوحة التراجع عن تصريح سابق له بعنوان استعمال أوراق القوة الناعمة.
لكن الانطباع قوي بأن استدعاء السفير الأردني في تل أبيب على الأقل ومغادرة السفير الإسرائيلي في عمان هي الورقة الوحيدة الناعمة بين يدي الحكومة الأردنية، وتمثل اليوم الحد الأدنى المطلوب في سقف شارع يغلي.
عطية والحلايقة يستغربان التأخير غير المبرر في اتخاذ هذه الخطوات الناعمة، وما توحي به اليوم عبارة الخيارات المفتوحة للوزير دودين قد يؤشر على إجراء تصعيدي دبلوماسي من حكومة الأردن خلال الأيام القليلة المقبلة أو الساعات إذا أخفق الأمريكيون والأوروبيون في إيجاد وسيلة لاستعادة الهدوء، وإذا استمر التصعيد العسكري الإسرائيلي ضد الأبراج والمدنيين، فيما لا تنجح عمليات الإسرائيليين العسكرية في تقويض القدرات العسكرية للمقاومة الفلسطينية أو حتى في الحد منها.
سياسياً، وفي انتظار فتح دائرة الخيارات واتخاذ خطوة أردنية مبرمجة، لا يوجد ما يوحي عملياً بأن حكومة البلاد اتخذت ما يكفي من إجراءات حتى من باب الدفاع عن الذات في ملف الوصاية الهاشمية، التي استهدفها بالتأكيد اليمين الإسرائيلي بعد سلسلة تداعيات ما حصل في حي الشيخ جراح في القدس.
لكن يوجد في المقابل ما يوحي بأن مثقفين وسياسيين أردنيين بدأوا يشعرون بالحاجة إلى تعداد الخسائر الاستراتيجية السياسية التي راكمها اليمين الإسرائيلي وواقع الحال مؤخراً، وأبرزها على الإطلاق محاولة خدش مقتضيات ومتطلبات واحتياجات برنامج الوصاية الأردنية على أوقاف القدس التي استهدفها الاحتلال بإصرار أيضاً.

مغادرة السفير الإسرائيلي عمان الورقة الوحيدة الناعمة بين يدي الحكومة

القناعة راسخة بأن التأخر «الحكومي» في استخدام أوراق القوة الناعمة، حسب التعبير المجازي، يراكم فاتورة وكلفة خروج الأردن أكثر من المعادلة الفلسطينية.
الندم ملحوظ ولا يمكن التستر، على الأقل وسط السياسيين الأردنيين، على تلك القطيعة التي استمرت سنوات مع قيادات وأطر حركة حماس ومع النصف الثاني من الشعب الفلسطيني ومؤسساته. بسبب تلك القطيعة غير المبررة وطنياً ومحلياً أو حتى سياسياً، فقد الأردن في هامش المناورة ورقة القدرة على الاتصال بحركة حماس والتواصل مع قياداتها، وقد لوحظ ذلك للجميع عندما يتعلق الأمر بإحصاء المخاسر الدبلوماسية، حيث كان الأمريكي والأوروبي يتحدث مع مصر وقطر في التفاصيل ولا يطرق النافذة الأردنية، وحيث إن البضاعة الدبلوماسية الأردنية في سلة السلطة والرئيس محمود عباس وحركة فتح بشقها السلطوي فقط، الأمر الذي حرم هوامش الدور الأردني من ورقة أساسية كان يمكنه اللعب بها على طاولة الحدث.
وهو غياب ناتج بالتأكيد عن إقفال كل قنوات الاتصال الرسمي والسياسي مع أطر المقاومة الفلسطينية، والاقتصار على قنوات أمنية فقط، فيما واقع المزاج الشعبي الأردني اليوم يؤشر على أن الشرعية الوحيدة حتى في العمق الشعبي الأردني ليس فقط المقاومة، ولكن أيضاً لكتائب القسام والأجنحة العسكرية التي تدفع الثمن.
لا أحد وسط نخبة عمان على الأقل يعرف طريقاً محدداً لاستعادة الهوامش في لعبة التصعيد والتهدئة، وقد لاحظ كثيرون بأن الأطراف الدولية المتحركة لا تتواصل مع عمان عندما يتعلق الأمر بالشأن الفلسطيني العميق وبما يحصل، وهو أمر قد ينسحب، للأسف، على حراكات ومناورات وهوامش الأردنيين في الدفاع عن وصايتهم في القدس.
ثمة مأزق استراتيجي في التلوين الإقليمي السياسي اليومي للبوصلة الأردنية.
وثمة خسائر لا يمكن إنكارها ولا تعويضها بالتركيز فقط على الجهد الإغاثي وعلى معادلة «إسرائيل تقتل وتفتك وتجرح وتحاصر، والأردن يسعف فقط».

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى