الخطر «السبراني» مصدره إسرائيل والسعودية وسوريا وأحياناً إيران والولايات المتحدة والأردن يقر تشريعاً للمواجهة
يستفز لاعب برلماني محنك من وزن الدكتور عبد الله العكايلة، عميد كتلة الإصلاح، أقصى ما لدى الحكومة وهو يقرأ أبياتاً من الشعر تحت قبة البرلمان لها علاقة بمجد دولة الأندلس الذي غاب.
يعترض العكايلة، وهو من أعضاء المجلس الذين لا تحكمهم عبارة الصدفة ولا الانفعال السياسي، بأثر رجعي فجأة، على إطلاق أسماء جديدة لوزارات قديمة مثل وزارة الاتصالات التي أصبحت وزارة للريادة، ومثل وزارة البلديات التي أضيف لها الحكم المحلي واللامركزية.
بدت مقاربة العكايلة، عميد كتلة الإصلاح، إسلامية التوجه، قاسية وخشنة على هامش مناقشات مجلس النواب في ثالث جلساته الاستثنائية لقانون جديد له علاقة بتنظيم الأمن السبراني.
العكايلة هنا ينتقد، وبخشونة، رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز الغائب بدوره في أول إجازة خاصة وعائلية عن البلاد، يعود بعدها إلى عمان في غضون يومين.
هنا تحديداً اضطر نائب رئيس الحكومة الدكتور رجائي المعشر لتصدر الرد على العكايلة موجهاً الخطاب له وقائلاً بأن الحكومة لا تقبل التقليل من شأن الأردن.
لكن تلك الملاسنة السياسية الهادئة تعكس إلى حد بعيد حجم الاضطراب الحالي في العلاقة بين الحكومة ومجلس النواب، خصوصاً أن رئيس المجلس عاطف الطراونة عبر علناً عن مسألتين خارج حسابات الحكومة تمثلتا في إصراره على عدم وجود تشريعات مستعجلة وضرورية تتطلب عقد دورة استثنائية صيفية للمجلس.
وفي اعتراضه الثاني، خلاف بدا واضحاً بعنوان أن الرزاز أبلغ الطراونة بعدم وجود نية لتعديل قانون الانتخاب.
في كل حال، يحاول الرزاز بهدوء شديد وانطلاقاً من خبرته المعرفية، التسلل إلى ملف الإصلاح السياسي وطرح تصورات لها علاقة بقانون الانتخاب.
هذا التسلل الذي فشل عملياً منذ أربعة أسابيع أغضب جهتين، حيث إصرار في الدولة العميقة على بقاء صيغة قانون الصوت الواحد، وحيث نواب حاليون لم تعجبهم محاولة الرزاز تغيير صيغة النظام الانتخابي الذي قفز بهم، وحيث -وهو الأهم- ميل طبيعي عند النواب الأفراد لتصعيد اللهجة والخطاب الشعبوي ضد أي حكومة مع قرب انتهاء ولاية البرلمان الذي تبقى من عمره أيضاً دورة عادية واحدة فقط هي المقبلة، يبدأ بعدها التحضير لانتخابات 2010.
وعليه فإن، مناخ الأجواء فيه قدر كبير من رغبة النواب في الانقضاض على الحكومة ومخاطبة غرائز الشارع والاشتباك الذي حصل أمس الثلاثاء بين العكايلة والمعشر، وكلاهما خبير ومخضرم مرتبط بهذا المناخ السلبي وبصيغة تعزز القناعة بوجود حالة فوضى وتنابز نخبوي في مرحلة دقيقة وحساسة.
في المقابل، قد يتضح للنواب بأن مسألة الأمن الإلكتروني، أو ما يسمى تقنياً بالأمن السبراني، هي الورقة الأساسية التي ترغب بها الحكومة تشريعياً ضمن جدول أعمال الدورة الاستثنائية التي طلبتها دون رغبة النواب وقياداتهم.
وذلك بحد ذاته من متطلبات الاستفزاز للبرلمانيين، باعتبارهم جزءاً حيوياً من الشائعات التي تنتج عبر المنصات الاجتماعية الإلكترونية ومن أبرز المسربين للوثائق، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بنشر وتسريب أسئلتهم الدستورية المكتوبة قبل حتى تسجيلها أو اعتمادها رسمياً. عملياً، يدرك صانع القرار الأردني بأن الوقوف أصبح إجبارياً عند محطة تشريع صارم يخفف آثار الهجمات السبرانية على البلاد بعدما أصبحت تحكم انطباعات الرأي العام وتشغل الشارع، ويستثمرها الحراكيون والمناكفون والمعارضون، وتتحول إلى مادة يومية على المنصات تنهش الدولة والمؤسسات ولا تقف عند حدود.
بعد عملية التشريع التي مررها البرلمان في جلسة أمس بعد جدل واحتكاك مع الحكومة، ستبدأ ورشة عمل تقنية تفصيلية عنوانها الرقابة مجدداً على الشبكة والتفاعلات الإلكترونية التي هاجمت في آخر عامين البلاد والعباد كما لم يحصل من قبل.
لا يمكن الآن معرفة حدود الضوابط التقنية والمجسات والرادارات التي سيسمح بها التشريع الجديد، ولا كيف سيتصرف عقل الدولة، إن كان موحداً أصلاً، تجاه أحد أخطر تحديات المرحلة، كما وصفها الوزير المعشر.
المسوغات التي تطلبت هذه الوقفة الإجبارية تحت عنوان الاشتباك السبراني كثيرة ومتعددة في البعد الأمني، وقد يكون أكثرها خطورة وحساسية تلك الهجمات المنظمة إلكترونياً من قبل مجموعات طارئة تتقمص دور المعارضة في الخارج وفي عدة دول بعضها صديق علني وحليف سياسي للأردن.
ثمة دراسات أمنية عميقة لم يعلن عنها في السياق ساهمت في تحديد مصادر التشويش الإلكتروني وإنتاج الأخبار والنصوص ضد الأردن طوال عامين، ووضعت هذه الدراسات تصوراً لطبيعة التوزيع الجغرافي لغرف الدردشة الإلكترونية والذباب المتنقل على الشبكة، منشغلاً بأخبار الأردن والأردنيين السلبية منها حصراً.
ليس سراً، في السياق، في الرصد الوطني الأردني حصول اختراقات حادة لبرامج محددة وبصورة سرية، سواء من طرف مجموعات إيرانية أو روسية أو أخرى لها علاقة بحزب الله أو في دول مثل السعودية والإمارات وإسرائيل وسورية، بمعنى أن قانون الأمن السبراني يفترض به، إذا أجادت الحكومة التعامل المهني معه، أن يواجه مثل هذه الحملات السرية عبر تقنيات الاتصال.