تأثيرات «صفقة القرن» في الساحة الأردنية: مراجعة اتفاقية الغاز و«استدارة» سريعة قد تعيد الإخوان المسلمين للمسرح واتفاقيات «عسكرية» مع قطر
بدت الفرصة أكبر خلال وقت قصير لتحسين العلاقة بين الأردن الرسمي والمكون الإخواني المحلي خلال الأيام القليلة الماضية، وبعد لقاء مفتوح لكتلة الإصلاح البرلمانية المحسوبة على البيت الإخواني مع الملك عبد الله الثاني في أول تفاعل مباشر مع القصر الملكي بين الجانبين قد تعقبه المزيد من «الحوارات الصريحة» في الأيام المقبلة.
خلال اللقاء المشار إليه، استفسر الملك شخصياً من عضو الكتلة المخضرم صالح العرموطي عن ما لديه من معلومات حول صفقة الغاز الإسرائيلي، وانتهى التفاعل بأن أعلن العرموطي منفرداً ما لمح إليه الملك بخصوص عملية «مراجعة» تخضع لها اتفاقية الغاز الإسرائيلي بعد الموقف الشعبي الصارم المعارض لها، والأهم بعد نجاح اليمين الإسرائيلي مجدداً.
عودة محتملة لسفير الدوحة على الأرجح والاتجاه الإخواني يتقدم في انتخابات الطلاب
طبعاً حصل التطور المشار إليه تمهيداً لحوارات أعمق مع الإسلاميين بنسختهم الإخوانية بعد إخفاق وفدين رسميين في تحصيل دعم سعودي، وبالرغم من وصول رسالة أمس الأول من الملك سلمان بن عبد العزيز إلى ملك الأردن، لم يكشف النقاب عن مضمونها رداً فيما يبدو على رسالة موازية أرسلها قبل أسبوعين الملك الأردني إلى نظيره السعودي وحملها رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز.
لوحظ بوضوح أن الملف السياسي والأمني والوطني يتفاعل بسرعة في الأردن عشية تكرار مخاوف دوائر صناعة القرار من ظهور حراكات شعبية قاسية وخشنة في مطلع شهر رمضان المبارك وبالتزامن مع تركيز صحف كويتية وتقارير إعلامية على تسريبات تتحدث عن مؤامرات على الأردن شاركت فيها أطراف داخلية.
في كل حال، وعلى هامش الحوار مع الإسلاميين، عزز التيار الإخواني مواقعه في الانتخابات الطلابية في الجامعة الأردنية وحسم المواجهة الانتخابية في جامعة البوليتكنيك التقنية لصالحه بفوزه بسبعة مقاعد تمثل الأغلبية في مجلس الطلاب، كما أعلن رامي عياصرة أمين سر الجماعة على صفحته على «فيسبوك».
في تلك الانتخابات الطلابية، وبمضمون الحوار «الوطني السياسي» بين القصر وكتلة الإصلاح، أظهر الإخوان المسلمون مجدداً وجودهم القوي في المعادلة الداخلية الأردنية وسيناريو عودتهم المركزية بعد التمكن من تجاوز كل الانشقاقات المرعية رسمياً ضدهم في الماضي، وتوقفت بوضوح سياسة عدم التواصل مع البيت الإخواني.
تلك عملياً نتيجة طبيعية من مستجدات الوضع المعقد المفروض بإيقاع ما يسمى بـ»صفقة القرن» على الداخل الأردني، حيث بنية عشائرية صلبة وواسعة تخشى نتائج الصفقة وتشكك في الموقف الرسمي واحتمالات بروز سيناريوهات تهدد الهوية الوطنية الأردنية، وحيث- وهو الأهم – مصافحات مع الإخوان المسلمين رسمياً وبأكثر من لهجة يمكن أن تؤسس لتوازن اجتماعي يستند إلى المبادرة الإصلاحية السياسية التي أبلغ الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد عضايلة «القدس العربي» بأنها مطروحة ليس فقط على الدولة وصناعة القرار، بل على المجتمع وجميع الأحزاب والقوى المدنية.
ضمنياً، ما يقوله الإسلاميون من حراكاتهم السياسية أنهم يمثلون قوة متصاعدة في المجتمع وجاهزة للمساعدة والمصافحة مع مؤسسات الدولة في مرحلة حرجة جداً، يضغط الجميع فيها على الدولة وفقاً لما ورد رسمياً وعلناً على لسان الملك عبد الله الثاني ولسان رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز.
ويسعى الإسلاميون للتأشير هنا على جاهزيتهم للوقوف مع الدولة ومساندة القصر في مواجهة استحقاقات وتداعيات صفقة الرئيس الأمريكي. لكن هنا يفرض الإسلاميون ضمنياً بعض شروطهم؛ فهم يعرضون التعاون والتوافق والهدوء مقابل عودة مقراتهم التي سلبت منهم بقرارات لصالح تنظيم جمعية إخوانية منشقة، ويريدون استعادة المركز الإسلامي الخيري الاجتماعي، وهو يعتبر الجمعية الأم التي تدير النشاط الخيري للإخوان المسلمين، وسيطرت عليها لجنة حكومية منذ سنوات.
في أحد اجتماعات التنسيق مع رموز حراكية، ألمح القيادي البارز في الإخوان المسلمين الشيخ جميل أبو بكر إلى أن الحركة الإسلامية لا مبرر لاستهدافها، وتنتظر موقف السلطة من ثلاث مسائل، هي الجمعية، والمقرات، والإصلاح السياسي، وفي حال عدم التجاوب قال أبو بكر.. «عندها لكل حادث حديث». القصد هنا التلويح بالانضمام للحراك الشعبي عشية شهر رمضان المقبل في توقيت حرج للغاية.
في كل حال، لا تبدو مطالب أبو بكر عصية على الإنجاز أو من النوع الصعب والمعقد، خصوصاً وأن الجبهة الإقليمية والعربية المضادة للإخوان المسلمين، تحديداً في دول مثل السعودية والإمارات، لا تقدم للاقتصاد الأردني أي مساعدة حقيقية، وتترك الأردن يتيماً سياسياً في مواجهة هجمة صفقة القرن.
إيقاعات الصفقة تعمل الآن على إعادة إنتاج مشهد التواصل مع الإخوان المسلمين في الأردن. وهنا تبرز حالياً ملامح استدارة تحتاج حتى تنضج فعلاً إلى رشد وتعقل في إدارة التفاعل من الجانبين. لكنها استدارة لا تقف عند حدود سقف الإخوان المسلمين في الأردن، فقد تم الإعلان الخميس فجأة عن توقيع سلسلة اتفاقيات عسكرية مع دولة قطر حتى بدون عودة السفير القطري إلى عمان، وهي خطوة تعني ضمنياً بأن السفير القطري سيعود قريباً جداً للإشراف على تلك الاتفاقيات.
تلك أيضاً بكل حال استدارة خاصة بنكهة سياسية لها دلالاتها، تؤكد مصادر «القدس العربي» على أنها ثمرة لحراك متفاعل وحاسم داخل وفي بنية القرار الأردني المركزي، وستعقبها العديد من الإجراءات اللافتة داخلياً وعلى صعيد التحالفات السياسية قريباً.