تحذيرات من «تقويض السلطة»… عبارة جذبت أبو مازن لاحتفالات الميلاد مع الملك… وارتياب في عمان من حجب رام الله والقاهرة للمعلومات
الرسالة الأردنية بجناحيها، السياسي والأمني، كانت واضحة عندما سمعها مباشرة المسؤول فلسطيني والفتحاوي حسين الشيخ قبل أيام من استقبال الرئيس محمود عباس مجدداً في عمان.
الشيخ، وباعتباره قناة فعالة وفاعلة وتشارك في كل التفاصيل والاجتماعات، استفسر منه الأردنيون عن آخر المستجدات في الاتصالات الفلسطينية، وتحديداً تلك التي يتم حجبها عن عمان، أو التي لا تعرف الحكومة الأردنية عنها شيئاً، خصوصاً وأن لاعباً مهماً في المعادلة الفلسطينية والإسرائيلية، وهو مدير المخابرات الفلسطيني ماجد فرج، لا يظهر- منذ أسابيع- حماسة من أي نوع لتنشيط عمل لجنة أمنية مشتركة سبق أن اتفق، سياسياً بين قيادتي الجانبين، على أن تجتمع وتتبادل المعلومات والتقييمات كلما اقتضت الحاجة.
سمع حسين الشيخ من مسؤول أردني العبارة التالية «لا أحد يهتم بالشرعية الفلسطينية ومؤسسات السلطة ويتحدث عنهما في المحافل الدولية بقدر ما نفعل في الأردن». لاحقاً، قيل للمسؤول الفلسطيني أيضاً ما يمكن اختصاره بمعادلة بسيطة قوامها: «لا نستطيع مساعدتكم إذا لم تتحدثوا معنا».
برز في الأثناء تقرير تقييمي فلسطيني اطلع عليه الرئيس أبو مازن وتحدث عن مشكلتين أردنيتين ضمن المعادلة الفلسطينية ينبغي أن تؤخذا بالاعتبار: الأولى، تتمثل في أن عمان مرتابة وقلقة جداً من مفاعيل ما يسمى بـ «صفقة القرن» أو التسوية الأمريكية التي بدأ يلمح مسؤولون أمريكيون بأنها ستنضج مع بداية العام الجديد وبعد احتفالات الميلاد. أما المشكلة الأردنية الثانية، فهي الشعور بحجب معلومات عن عمان، سواء عبر النافذة المصرية أو عبر السلطة الفلسطينية.
يتكرس الشعور داخل الأوساط الأردنية العميقة بأن الخدمات التي تقدم لمؤسسات الشرعية الفلسطينية وبعيداً عن الفصائلية تحديداً لا تزال «شبه مجانية» ولا يقابلها الشريك الفلسطيني بالتقدير المناسب، وهو ما سمعته «القدس العربي» مباشرة في مواقع أردنية عدة معنية بالقرار والتنسيق.
الإشكال المتعلق بغياب المعلومات والتنسيق يعود تاريخه إلى الزيارة المفاجئة التي قام بها قبل أسابيع الرئيس محمود عباس إلى مسقط، والتي تزامنت مع زيارة مباغتة قام بها إلى سلطنة عمان أيضاً رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
الأردن لقادة فلسطينيين: «لا نستطيع مساعدتكم إذا لم تتحدثوا معنا»
وقتئذ، بحثت الحكومة الأردنية عن معلومات واستفسرت من حسين الشيخ تحديداً، الذي تحدث بالعموميات وعن تنسيق اعتيادي مع سلطنة عمان، في الوقت الذي يعرف فيه صانع القرار الأردني أن مسقط ليست شغوفة بالعادة بمتابعة تفاصيل القضية الفلسطينية. كما يعرف أن زيارة عباس لمسقط كانت تقريباً الزيارة اليتيمة له في ظل إعلانه القطيعة في الاتصالات مع الإدارة الأمريكية وإصراره على تجاهل دعوات أردنية متكررة لاستئناف الاتصالات مع الأمريكيين، وعلى أساس أنه من العبث عدم التواصل معهم.
في كل حال، لم يقدم الشيخ ولا اللواء فرج ولا حتى الجنرال جبريل الرجوب ولا صديق الأردنيين صائب عريقات، معطيات تفيد الجانب الرسمي الأردني، في الوقت الذي أظهرت فيه المؤسسة الرسمية حرصاً كبيراً طوال الوقت على تجنب إقامة أي تواصل من أي نوع مع خصوم الشرعية الفلسطينية، سواء في حركة حماس أو حتى في تيار المفصولين من حركة فتح، أو المناهضين للرئيس عباس.
مع تطور مسار الأحداث، خصوصاً الأخيرة في الضفة الغربية، وظهور عمليات عسكرية نوعية واختراقات البيت الإسرائيلي للمدن الفلسطينية، زادت مخاوف الأردنيين من احتمالية وجود مشروع يميني إسرائيلي لتقويض سلطة عباس ولإضعاف هوامش المناورة أمام السلطة الفلسطينية.
بالقياس الأردني العميق، فإن أي محاولة لإضعاف السلطة الفلسطينية تمس مباشرة بخيارات الأمن القومي والوطني الأردني، وتعني فوراً الانتقال إلى حالة فوضى يمكنها أن تخدم اليمين الإسرائيلي فقط، وتنتقل عدواها للضفة الشرقية لنهر الأردن.
من هنا حصرياً صدرت التعليمات والأوامر والتوجيهات لوزير الخارجية أيمن الصفدي لكي يتحرك، فصدر بيان عن الخارجية الأردنية يعترض وبشدة على اختراقات الجيش الإسرائيلي للمدن الفلسطينية، ويحذر في الوقت نفسه من تداعيات وخيمة إذا ما قررت إسرائيل «تقويض» سلطة الرئيس عباس، وهي عبارة ترد بصورة نادرة ولأول مرة تقريباً في الأدبيات الدبلوماسية الأردنية العلنية.
اكتشف المسؤولون الفلسطينيون في رام الله في المقابل أن القيادة الأردنية هي الوحيدة التي تطلق مثل هذا التصريح وتهتم بعدم تقويض سلطات الرئيس وسلطته. وكان بيان الخارجية الأردنية نقطة ارتكاز في جذب الرئيس عباس مجدداً إلى عمان، وإعادة إنتاج العلاقة معه على نحو يحاول ترتيب الأوراق وسط القناعة الأردنية بأن مقاومة مخاطر ما يسمى «صفقة القرن» على الأردن غير ممكنة بدون تأسيس شراكة مع الفلسطينيين. لذلك، حضر عباس إلى عمان أملاً في الاستدراك، وأصر الملك عبد الله الثاني على حضوره بمعيته في رعاية احتفالات الميلاد الرئيسية.