خيار الأردن والضفة الغربية مجدداً بين «همسة» تشكّك بإمكانية حل الدولتين والدولة الواحدة و«تغريدة» خبيثة لغرينبلات
قد لا تكون أكثر من «همسة سياسية» ولها دلالات عميقة بالتأكيد تلك التي طرحت على هامش لقاء مغلق جداً في الأردن بعنوان «شكله ما راح يزبط حل الدولتين ولا حل الدولة الواحدة في فلسطين».
الإضافة على تلك العبارة مهمة جداً في التحليل السياسي: «يبدو أنهم يريدون العودة إلى الصيغة التي كانت في الماضي قبل 1967». الشطر الأول من هذه الهمسة طرح على هوامش لقاء حواري مغلق مع نخبة من رؤساء الوزارات السابقين في القصر الملكي الأردني.
والشطر الثاني عبارات وردت على لسان مهندسين مختصين في عملية السلام لم يعترض عليها أحد تطبيقاً لقاعدة رئيس الوزراء الأسبق عبد السلام المجالي، التي سمعتها منه «القدس العربي» مباشرة بعنوان «ليس بالضرورة أن تكون صفقة القرن إياها كلها شر أو خير»،.. والأفضل أن ننتظر ونسمع التفاصيل.
اجتهادات شملت الروابدة والبخيت والمجالي والفايز
وبالرغم من انخفاض الضجيج في الحديث عن صفقة السلام في الأردن، ثمة هوس نخبوي يدعو في جزء منه إلى الإقرار بالواقع الموضوعي. هذا النمط من الإقرار ورد على لسان سياسيين ومسؤولين كبار في الجلسة المغلقة التي أعقبت ندوة عامة في مركز الدراسات الدولية للجامعة الأردنية، حيث حضرت عدة شخصيات من بينها رئيس مجلس الأعيان المقرب من مركز القرار والمطلع فيصل الفايز، ومعه المخضرم والبيروقراطي والمشرع العنيد رئيس الوزراء الأسبق عبد الرؤوف الروابدة.
عزلت تلك الجلسة عن الإعلام وأغلقت في إطار نقاش داخلي حاول عضو البرلمان الأسبق والأستاذ الجامعي المشرف الدكتور محمد القطاطشة تفعيله بين مجموعة نخب بعنوان «ماذا نفعل؟».
فوجئ الحضور بواقعية الروابدة وتلميحاته، تحديداً في تلك الجلسة، إلى أن القادم قادم لا محالة، في الوقت الذي انشغل فيه الفايز العائد للتو من زيارة مثيرة إلى الرياض بالحرص على الكلام بعـيداً عن مـندوبي الإعـلام.
في سياق الهوس النخبوي نفسه، سجل خبير بارز في المفاوضات وعملية السلام وإسرائيل، هو رئيس الوزراء الأسبق أيضاً الدكتور معروف البخيت، وهو يحاول الإجابة على تساؤلات طرحت عليه ملاحظته العميقة بخصوص خطوة تكتيكية تؤدي إلى تحسين المكاسب في حال توفير غطاء عربي يعود إلى وثيقة المبادرة العربية. ووثيقة المبادرة، برأي مراقبين كثر، قد لا تكون أكثر من ورقة لستر عورة موقف النظام الرسمي العربي بعدما أحرجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مرتين بقسوة على الأقل.
الأولى بنقل السفارة إلى القدس، والثانية بضم الجولان إلى إسرائيل، والثالثة في الطريق على الأرجح بعد فوز اليمين الإسرائيلي بالانتخابات وبعنوان ضم «مناطق (سي) والمستوطنات في الضفة الغربية إلى إسرائيل».
الأردن طوال الوقت كان يتيماً، وساهم النظام الرسمي العربي بعزل مواقفه السياسية، والمخاوف تزداد في عمان من السيناريو الأسوأ بعد قضم وضم ثلث الضفة الغربية مجدداً.
وهو سيناريو سمعته «القدس العربي» على لسان مسؤول بارز في الدولة الأردنية تحدث عن قمة الاحراج إذا ما استدعي في أي لحظة إلى واشنطن الأمير محمد بن سلمان، والرئيس عبد الفتاح السيسي، لتعميد وتمرير الصفقة الجديدة، الأمر الذي يعني تكريس عزل الأردن سياسياً وإقليمياً، كما يعني بصورة دقيقة ومحددة تدشين أبرز المخاوف الوطنية الأردنية، وهي تلك المتعلقة بعواصم أساسية من بينها واشنطن وتل أبيب والرياض والقاهرة، ستبدأ في التعامل مع الأردن باعتباره مجرد «جغرافيا وليس دولة لها حسابات وتتخذ قرارات» .
قالها قبل نحو عامين وزير البلاط الأردني الأسبق الدكتور مروان المعشر، عندما حذر من أن عدم الجلوس على الطاولة يعني ترك الآخرين يقررون نيابة عن المؤسسة الأردنية. وقالها علناً المخضرم طاهر المصري مرتين، وأعادها أمام «القدس العربي» مرات عدة، وهو يحذر من أن مشروع تصفية القضية الفلسطينية يتواصل ويستهدف الأردن بعد ضم وقضم فلسطين بالتأكيد.
في الأثناء، تبرز دلالات في غاية الحساسية؛ فمبعوث عملية السلام الأمريكي جيسون غرينبلات، يحاول بخبث شديد طمأنة الأردنيين بأن الصفقة المزعومة والمنتظرة لا تتضمن إقامة وطن بديل للفلسطينيين ولا نصوص فيها عن كونفدرالية.
غرينبلات قرر أن يقول ذلك علناً بتغريده على «تويتر» ربطها بملك الأردن الصديق والحليف، والقراءة الأعمق تؤشر هنا على دهاء أمريكي مقصود لإحراج المؤسسة الأردنية وليس لطمأنة الأردنيين.
يمكن قراءة تغريدته على نحو مختلف؛ فعدم وجود كونفدرالية قد يعني وجود تفكير أمريكي بفدرالية ونفي الوطن البديل محاولة لتقزيم الرواية الأردنية للأحداث، لأن النـفي لم يتضـمن الخـيار الفـدرالي.
بالخلاصة، مراقبة الهوس النخبوي الأردني في حال تحالفه مع قراءة أعمق لتغريدة غرينبلات تقود إلى استنتاج أوضح، له علاقة بالهمسة الأهم المشار إليها، التي يقول الأردن فيها ضمنياً بأن الخيار الأردني الفدرالي مع ما يتبقى من الضفة الغربية وليس الوطن البديل هو المطروح على الأرجح بعد الاعتراف بدفن خيار الدولتين والدولة الواحدة.