«زجاجة» الملقي تثير عاصفة من «الأسئلة» في الأردن والشارع يسأل الرزاز: هل غادر الاقتصاد منتصف 2019 عنقها؟
استحضار واستذكار عارم وذاكرة تصطاد «هفوات الوزراء»
حجم الاستذكار والنشر وإعادة النشر لتصريح شهير أدلى به في منتصف العام 2018 رئيس وزراء الأردن الأسبق، الدكتور هاني الملقي، خلال أسبوع كامل مؤخراً، يحتاج بحد ذاته إلى دراسة وتأمل وتعمق بعنوان حرص الشارع عبر منصاته الاجتماعية على بقاء الذاكرة حية.
رغم مرور أكثر من عام على إسقاط حكومته في شهر أيار/مايو العام الماضي بعد تجمعات الدوار الرابع الشهيرة، جلس الرئيس الملقي من دون منافس الأسبوع الماضي أكمله على عرش النجومية والاستحضار في ذاكرة منصات التواصل الاجتماعي. ثمة تصريح متلفز شهير للرجل قبل رحيل حكومته قال فيه للتلفزيون الأردني: «البلاد ستخرج من عنق الزجاجة منتصف عام 2019».
الأهم أن الملقي وقتها لم يكن يخطط لما يحصل اليوم، وهو يضع جملة سياسية شرطية..»قولوا عني فاشل إذا لم يحصل ذلك». أعاد الأردنيون نشر التصريح بالصوت والصورة، بعد أكثر من عام عليه، آلاف المرات، وبصيغة تستوجب القراءة. عشرات منهم قالوا للملقي المتقاعد: «ها نحن نقول.. أنت فاشل».
مئات ركبوا موجة عبارات ساخرة سياسياً تقول «بقيت الزجاجة ورحل الاقتصاد الأردني».. آخرون سألوا خليفة الملقي، الدكتور عمر الرزاز: أين عنق زجاجة الملقي؟
وسط هذه الموجة العاتية على منصات التواصل ومنابر التعبير عن عنق زجاجة الملقي، لا أحد يريد الإنصاف والإشارة إلى صعوبة أو عدم علمية تحميل رجل كان يعرض خطة للاقتصاد، على أساسها سيغادر الأردنيون عنق الزجاجة. ورحل الملقي وسقطت حكومته في لحظة شكلت فارقاً يستوجب تغيير الأدوات، وعبارته الوحيدة التي قالها بعد الرحيل «الشارع لم يسقط حكومتي».
لافت جداً أن بديله ونظيره الرزاز، وقد كان وزيراً في حكومة الملقي للتربية والتعليم، يرفع بدوره بالتوازي شعاراً يقول «الشارع لم يقترح حكومتي، والدوار الرابع لم يطالب بي رئيساً للوزراء». يتفق الرجلان هنا ضمنياً على أن من ذهب بحكومة الأول هو القرار ومركزه في الدولة.. كذلك من قفز بحكومة الثاني.
المثير في المسألة أن الأردنيين لديهم انطباع قوي بأنهم لا يزالون في عنق الزجاجة، خصوصاً وأن المعادلة الضريبية التي أسقطت تجربة الأول بقيت نفسها وصعدت مع الثاني الذي يتأمل بأن يكون مشروعه هو الفاصل نحو مساحة زمنية جديدة تبدأ فيها الحكومات بالتشكل بموجب مبدأ «الأغلبية البرلمانية».
يسأل الشارع مجدداً في عمان وبقية المدن الملقي عن الزجاجة وعنقها، رغم أن السؤال ينبغي أن يوجه للرزاز.
لكن المفارقة أن الشارع لم يعد يعرف يسأل من بصورة محددة، فالرزاز ورث عن الملقي أصلاً 15 وزيراً، وأقام بهم تجربته الأولى، واحتفظ بمعظمهم حتى بعد ثلاثة تعديلات على طاقمه الوزاري. ورغم ذلك، لا يبدو الشارع واثقاً من أن الاقتصاد يتعافى ويغادر عنق الزجاجة، فمؤخراً فقط أثار وزير التخطيط، محمد العسعس، عاصفة من الجدل عندما ربط، في خطاب فوقي معتاد، بين دور للمواطن الأردني في مواجهة التهرب الضريبي والفساد وبين تخفيض أسعار المحروقات.
لم يفعلها، رغم تشويه تصريحه أثناء النقل، أي وزير في تاريخ حكومات الأردن باستثناء العسعس عندما يتعلق الأمر بخطاب متقلب في باطنه تحميل المواطن مسؤولية عجز الحكومات المتعاقبة عن مواجهة الفساد والتهرب الضريبي.
العسعس كان يريد أن يقول إن تحسين التحصيل الضريبي والتزام المواطنين من شأنهما زيادة واردات الخزينة، وبالتالي سيؤدي ذلك إلى تخفيض الأسعار تلقائياً، لكن «خانه» التعبير ونقل تعليقه بصورة تطلبت الاستطراد والتوضيح لاحقاً، لكن المنصات كانت بالمرصاد كالعادة، وبدأت بالعزف على وتر «خطاب وزاري مغرور» يحاول التهرب من إدانة المؤسسات لصالح ابتزاز المواطن.
هكذا على الأقل ومن دون وجه حق قرأ الناس تعليق العسعس، أو بمعنى أدق هكذا قرر نشطاء التحريض ضد الحكومة قراءته، وإن كان الأمر يتعلق بتصريح «غير موفق» ويفتقد لمهارة مخاطبة الجمهور، وهي مهارة غير مطلوبة من وزير عمل خلف الستارة طوال تجربته.
يعكس ما حصل مع العسعس وقبله ما حصل مع زميله وزير المالية عز الدين كناكريه، عندما اتهمته المنصات ظلماً بالدعوة إلى التدخين بدلاً من تركه لصالح السيجارة الإلكترونية، حرصاً على «واردات الخزينة» من بند السجائر. وقبل الإثنين، طالب الجمهور وزير الزراعة بدليل واحد على قوله العلني بأن القطاع الزراعي حقق إنجازات «عالمية».
كل مؤشرات الاسترسال في اصطياد الوزراء وملاحقتهم عبر المنصات قرينة إضافية على بقاء منسوب الثقة بمصداقية المسؤولين والحكومة في الحد الأدنى. والأهم، دليل على أن «عنق الزجاجة» أصبح يلازم إيقاع الشارع الأردني رغم مغادرة نجم المشهد الرئيس الملقي.