طريق عمان ـ دمشق ـ بغداد «وعرة» بسبب تراكم النفوذ الإسرائيلي والإيراني على الجبهة الثلاثية
متطلبات الانتقال الأسرع لتبادل السفراء وتطبيع العلاقات بين الأردن والنظام السوري تبدو صعبة نسبياً بالرغم من مناخ استعادة الثقة بين الجانبين طوال الأسابيع القليلة الماضية وتبادل رسائل مجاملة على أكثر من صعيد.
الانطباع المتشكل حتى الآن عند النخبة السياسية الأردنية بأن عمان يحيط بها التردد والحذر الشديد عندما يتعلق الأمر بدمشق وطهران، بالرغم من تسجيل الأردن اختراقاً من الوزن الثقيل عبر الزيارة التي قام بها العاهل الملك عبد الله الثاني لبغداد، وهي الأولى لزعيم عربي.
ومن المرجح أن تحالفات دمشق مع طهران واتصالات عمان مع تل أبيب من العناصر التي تجعل الاندفاع الثنائي نحو صفقة ثنائية خاصة ناضجةً بمرتبة «المهمة الصعبة» إذا لم تكن «شبه مستحيلة»، حيث يتأثر الحراك الإقليمي الأردني عموماً بأجندة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وبسلسلة معقدة من التنسيق مع الإسرائيليين مقابل تأثير طهران القوي وتراكمه على القرار السوري المستقل.
عملياً، أدركت غرفة القرار الأردنية مؤخراً استحالة تخلص دمشق من البصمة الإيرانية وصعوبة تخلص عمان من البصمة الإسرائيلية، الأمر الذي يجعل الصراع الإسرائيلي – الإيراني من العوامل الأساسية التي تؤثر على دفع أو إعاقة العلاقات الأردنية السورية حتى في حالة تجاهل وتجاوز الخلافات الثنائية. وبكل حال، شغف الأردنيين بمعالجة أزمتهم الاقتصادية والمالية دفعهم باتجاه المجازفة المحسوبة في التقرب المتدرج من تركيا، وحركة عمان النشطة باتجاه بغداد بقيت مقتصرة على العنصر «الكردي»، وهو صديق لإسرائيل بكل حال، وعلى العنصر «السني».
طوال الوقت تحاول عمان تجنب مناقشة مصالحها الحيوية في السوق العراقية مع المكون الشيعي المقرب من إيران. وطوال الوقت تخفق الحكومة الأردنية في تحقيق اختراق محسوب وكبير في هذا المسار، حيث يتحرك اللوبي الإيراني في المجلس الوطني العراقي بنشاط بالاتجاه المعاكس للمصالح الأردنية، ويعيد التذكير بأن على عمان إذا أرادت فتح السوق العراقية وتحصيل حصتها تعيين وإرسال سفير إلى طهران بدلاً من السفير المسحوب من عامين عبد الله أبو رمان. وبرز تأثير محتمل لأنصار طهران في المعادلة العراقية من خلال الاتصالات الرفيعة الأخيرة التي أجراها رئيس وزراء الأردن عمر الرزاز أولاً والملك شخصياً ثانياً مع العراقيين. وعندما لمّحت الحكومة الأردنية إلى أنها تطالب بمبلغ مالي عالق منذ سنوات طويلة وبقيمة مليار دولار مستحقة لفعاليات تجارية وهندسية وشركات أردنية ظهر اللوبي الإيراني في البرلمان العراقي بمعادلة كيدية مضادة فكرتها: «أعيدوا لنا خمسة مليارات في بنوككم وضعها صدام حسين وأزلامه واخصموا ملياركم». وقبل ذلك نصح نوري المالكي الأردنيين مرتين على الأقل بالتحدث بلغة ودية مع طهران إذا أرادوا مشاهدة بضاعتهم تمر للسوق العراقية أو عبرها. قصة المليارات الخمسة التي يطالب بها اللوبي الإيراني في بغداد أصبحت الآن نموذجاً للمطب الذي يعيق علاقات أكثر عمقاً بين البلدين، الأمر الذي يعتقد أنه يشكل خلفية الحراك الملكي الأردني في العراق عبر بوابة الرئيس الكردي والحكومة الجديدة دون بروز أدلة وقرائن على أن المساعي الأردنية نجحت هنا بتحريك الملف وسط تزايد قناعة كبار السياسيين الأردنيين باستحالة العبور من الأزمة المالية والاقتصادية الأردنية بدون بوابتي بغداد ودمشق المحروستين في الواقع، كما يقول السياسي الكبير عبد الكريم الكبارتي، بالحرس الثوري الإيراني. عمان تحاول مجدداً مقاومة النفوذ الإيراني في دمشق وبغداد والالتفاف عليه حتى لا تجد نفسها مضطرة للتحدث مع طهران بسبب ما يعنيه ذلك من مجازفة مع الحلفاء الكبار التقليديين في المحور الأمريكي والسعودي، وتجنباً لتسليم اليمين الإسرائيلي «ذخيرة» يمكنه الاستثمار فيها ضد الدولة الأردنية. وقد لاحظ كبار المراقبين مؤخراً أن الهامش يضيق أكثر أمام فلسفة الأردن الدبلوماسية المتمثلة في القدرة ودوماً «على التحدث مع جميع الأطراف»، بما في ذلك الخصوم والأعداء فيما بينهم بالأقليم. واتضح ذلك من حضور الأردن القوي لمنتدى الغاز الجديد في القاهرة، الذي يضم ستة دول مع الكيان الإسرائيلي، في خطوة تظهر بوضوح بأن الأردن ليس بصدد المجازفة ولا مجاملة دمشق وطهران. وبأن عمان لا تستعجل تطبيع العلاقات مع دمشق وليست بصدد «أي انقلاب» من أي نوع على تحالفاتها التقليدية، بالرغم من كل ما يقال عن»التنويع» في العلاقات الإقليمية. وتشير المعطيات بوضوح إلى أن أزمة المليارات الخمسة لا تزال قائمة بين عمان وبغداد. وأن اللقاءات الأخيرة لم يتضح بعد ما إذا كان الطرفان قد تجاوزاها، فهي ورقة دائمة الاستثمار والتوظيف بالنسبة للنفوذ الإيراني، ويمكن تعزيزها كلما دعت الحاجة إلى إحراج الأردن ومضايقته بورقة أخرى لها علاقة بابنة الرئيس العراقي الراحل رغد صدام حسين المقيمة في الأردن، والتي يطالب اللوبي الإيراني بتسليمها لبغداد على أساس أنها مطلوبة كلما حققت الاتصالات بين الحكومتين تقدماً من أي صنف.