لبنان و«تمزيط الكلام» والجزائر على كرسي متحرك والسودان ومقعد للرئيس
أعجبتني قدرات وزير التربية والتعليم في جمهورية لبنان الشقيق أكرم شهيب على «اللف والدوران»، خصوصا عندما ترصده قناة «روسيا اليوم» وتسأله عن «فصل الطلاب الفلسطينيين» من مدارس حكومته فيمتنع عن النفي المباشر، ويقول عبارة «لم نتخذ خطوات مجحفة».
رحم الله القامة الأردني جمعة حماد، فقد ارتبطت باسمه عبارة «تمزيط الحكي»، بمعنى المراوغة واللف والدوران وعدم قول شيء محدد.
لا نعرف الوزير شهيب، ولا نريد معرفته، ولا مراقبة تلك الخطوط التي تربطه بأي كف في لبنان العزيز، الذي يتلاعب بمصيره أولاده من النخب قبل الغريب.
ما يهمنا أن الرجل يلعب لعبة «تمزيط الكلام»، فلا يؤكد ولا ينفي حتى عندما تحاول محطة «الجديد» المحلية التحدث معه.
ولو غرقنا في التفصيلات لوجدنا أنه يعتبر التعميم على مدارس بلاده بعدم قبول طلبة فلسطينيين ليس أكثر من «إجراء إداري» لا يمكنه أن يكون «مجحفا».
بالمسطرة نفسها توفي طفل فلسطيني رفضت مستشفيات حكومة الأرز إستقباله قبل أسابيع بعد قرار لم يكن مجحفا.
المجحف حقا هو وجود وزراء تربية وتعليم في بلد مثل لبنان من هذا الطراز «التمزيطي»!
المجحف أكثر ما يتخذ بحق الشعب اللبناني، الذي يبيع رموزه لمواطنيهم الكهرباء بأضعاف سعرها الحقيقي، وتتقصد حكومة المحاصصة المريبة البائسة فيه «عدم إصلاح العطل» في مولدات الكهرباء، حتى تتراكم أرباح تجار الحرب من تلك الشريحة، التي تمتطي معسول الكلام وربطة عنق وتنتحل صفة تمثيل بلد الأغنية والفينيق.
من يسعى لتمزيق وتمزيط وطنه لا يمكنه أن يحفل بالتحاق لاجىء فلسطيني في مدرسة.
سوبر «عيسوي»
وعلى سيرة «تمزيط الحكي»، بمعنى ترديد كلام غير واضح وحمال أوجه ولا معنى له حاولت في حسن نية توفير آلية لفهم أسباب احتفال تلفزيون حكومة بلادي الرسمي بالإستقبال الدافىء الذي حظي به نشطاء حراك العاطلين عن العمل في العقبة من جهة مسؤولين بارزين في الديوان الملكي.
البرلماني العقباوي النشط الشيخ محمد رياطي شوهد في الموقع إلى جانب رئيس الديوان الملكي يوسف عيسوي.
والكاميرا أخفقت في إخفاء عيون الرياطي، التي «تزيغ هنا وهناك» لتقييم الموقف فباختصار وعد العيسوي بـ«تدبير وظيفة» لكل عاطل عن العمل في العقبة دون أن يعرف مسبقا عددهم.
الرياطي، كان ذكيا وواضحا وهو يعلن لاحقا تفاصيل ما حصل مع عبارة «بناء على وعد العيسوي»، وكأنه وعد ترامب. فعلها صاحبنا وأقصد الرياطي، لسبب على الأرجح متجنبا الحسم حتى يحفظ خط الرجعة.
كيف لموظف واحد وكبير أن يستطيع وبجرة قلم وخلال دقيقتين «تدبير وظائف لجميع العاطلين عن العمل» في المحافظات ودون إجتماع وتنسيق مع الحكومة والوزراء؟ سؤال «مر» أخفقت في تحصيل إجابة عليه.
لكن العيسوي يتحول إلى «سوبرمان» قرر مواجهة «مانديلا» الأردني الذي يهدد بحرق نفسه وأولاده إذا لم يحصل على وظيفة. مجددا لم أفهم فعلا ما حصل وإذا أخفق عيسوي بوعده من الذي سيتحمل الكلفة والنتائج؟
الجزائر والسودان
حاولنا التدقيق بعمق في تلك الصورة، التي تبثها فضائية السودان لانفعالات الرئيس عمر البشير في خطابه الأخير المهم وهو يرتدي أبهى الأزياء.
كنت قد فرغت للتو من قراءة خبر عن حفل خيري لدعم مرضى السرطان، قام بتشريفه حسب الفضائية السورية الرئيس بشار الأسد شخصيا.
وقبل ذلك يقلب المواطن العربي ببساطة بين قنوات الفضائيات فيقرأ قصيدة الكرسي، الذي حول بلدا عظيما مثل الجزائر الى مقعد مخصص لذوي الاحتياجات الخاصة، فالجزائر – للأسف اليوم – على كرسي متحرك مجددا وفيها اضطراب، حيث مجاميع من الشباب تتحرك في الشارع ضد حكم العجوز المقعد، وحيث فضائية «فرنسا 24 « تعيد وتكرر بث تلك اللقطات للشباب الجزائري الحائر والمنتفض.
في المقابل يطرح الرئيس البشير مثلا معادلة تحاول المزاوجة بين خطاب قرينه الشهير المخلوع زين العابدين بن علي وبين خطاب ما قبل لحظة اغتيال وتصفية الراحل الرئيس معمر القذافي.
لكن نشهد أن الرجل كان هادئا جدا وهو يعين نائبا له.
في المحصلة زعماء عرب بالجملة أسقطتهم شعوبهم والجيل الثاني ليس بأفضل حالاً، فالأمير محمد بن سلمان وعلى ذمة محطة «الجزيرة» وبعدما اشترى الهند بمئة مليار استثماريا حاول شراء الضمير الصيني بإظهار التفهم للحملات الدموية ضد طائفة الإيغور المسلمين.
قبل ذلك حظي الرئيس الباكستاني الوسيم بثماني مليارات فقط من السعودية، بينما دفعت مئة لخصومه في الهند.
على كل حال لعن الله السياسة والسياسيين، فكل الأخبار على شاشات العرب مثيرة للقلق والقرف والغثيان.
لكن العقل العربي البسيط عالق في السؤال الازلي القديم: ما حاجة أي إنسان قائد أو زعيم لكرسي حكم ورئاسة تسبح أرجله في الدماء؟
سؤال يختصر أزمة العقل العربي!
ليس لنا رد الان