لماذا يتحدث الأمريكيون نيابة عن الأردن؟… «تكشيرة» الصفدي في مواجهة «هجمة» الصحافة الإسرائيلية
سؤال رسمي «محرج» للسفارة الأمريكية وعمان «في الغرفة» بعد «تأجيل» صفقة القرن
عبثاً حاول وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، بدءاً من مساء الخميس، العمل على احتواء هجمة منظمة للصحافة الإسرائيلية على بلاده تبشر بموافقتها على ترتيبات ما يسمى بـ «صفقة القرن» ونتج عنها موجات من «الاحتقان والإحراج» الداخلي.
ما فعله الصفدي، وهو يتلقى تقارير الإدارة الخاصة بمتابعة إسرائيل في طاقمه، هو إصدار «تصريح مناكف» لما أعلنه الناطق باسم البيت الأبيض قبل ثلاثة أيام حول قرار الأردن المشاركة في ورشة عمل البحرين.
التسريب الأمريكي أغضب الشارع الأردني كثيراً .
وأغضب كذلك المؤسسة الأردنية، وما لاحظه طاقم الصفدي أن صحافة الاحتلال الإسرائيلي توسعت في بناء انطباعات حول دخول الأردن في «صفقة المستقبل القريب» بدليل المشاركة في لقاء البحرين.
ولاحقاً، قرر الصفدي المناكفة وأعلن بأن عمان لم تبلغ واشنطن رسمياً نيتها المشاركة في لقاء البحرين. وقال الصفدي أيضاً ما معناه بأن قرار الأردن ذاتي ومستقل، وأن بلاده هي التي تقرر متى وكيف تشارك ومن تبلغ.
جرعة الغضب في تصريح الصفدي تكشف أن الإعلان الأمريكي من واشنطن أزعج المؤسسات الأردنية المرجعية قبل أي جهة أخرى.
الأهم أن الملك عبد الله الثاني قد أبلغ قبل أربعة أيام نخبة من الشخصيات المحلية بأن بلاده ينبغي أن لا تغيب عن مؤتمرات دولية تبحث القضية الفلسطينية.
هنا نقل عن الملك قوله بأن «عمان ينبغي أن تتواجد داخل الغرفة».
المسألة التي أزعجت السلطات أيضاً تمثلت في «تسريب» من قابلهم الملك لهذه العبارة التي قيلت عمومية ولم تكن في سياق مؤتمر البحرين بصورة محددة. الأكثر حساسية في المسألة أن فكرة موافقة الأردن على حضور مؤتمر البحرين يعلنها الأمريكيون بتوقيتهم وبصيغة تنتج مزيداً من التشويش والبلبلة في الأردن، حتى أن مسؤولاً بارزاً في الخارجية الأردنية سأل القائم بالأعمال الأمريكي في عمان: ما قصدكم؟… لماذا تتحدثون بالنيابة عنا في مسائل حساسة من هذا النوع؟
رغم ذلك، من الصعب القول بأن الأردن لا يزال في الاتجاه المقاوم لما يسمى بـ»صفقة القرن» كما يعلن مراراً وتكراراً، في الوقت الذي يقبل فيه المشاركة في مؤتمر البحرين الذي يعتبره المسؤولون الأردنيون بوابة التطبيع الأولى نحو ترتيبات صفقة القرن.
اللافت في السياق أن عاهل الأردن قبل أيام لمح إلى أن الصيف المقبل قد يكون بدون «صفقة القرن المزعومة» بسبب إخفاق بنيامين نتنياهو في تشكيل حكومته وسيناريو الانتخابات المبكرة في إسرائيل وتدشين موسم الانتخابات الرئاسة الأمريكية اعتبـاراً من نـهاية الصـيف الـحالي.
في الأثناء تمكنت، بوضوح ورغم مماطلات وزارة الخارجية الأردنية و»تكشيرة» الوزير الصفدي في وجه الأمريكيين قليلاً، الأصوات الداعية لعدم الغياب عن لقاء البحرين من الفوز وحسم المعركة داخل المؤسسة الأردنية ضد دعاة مقاطعة المنامة.
ويعني ذلك عملياً وسياسياً مواجهة مبكرة ومكشوفة وأسرع مما ينبغي مع مشاعر الشارع بأن الحكومة ستخضع للأمريكيين في النهاية وستشارك في ترتيبات القرن إياها بالرغم من كل التحفظات، الأمر الذي نتج عنه إعلان قوى وطنية عدة، من اليسار إلى اليمين، إلى الحراك عن تدشين عدة اعتصامات ومسيرات في الشارع بشعار «إسقاط صفقة القرن».
يحصل ذلك فيما تؤكد إحدى حلقات القرار الأردنية مباشرة أمام «القدس العربي» بأن الحلقة الأخطر في ورشة البحرين المثيرة للجدل قد تكون تلك التي «تهدد» موقف الأردن الثابت والحيوي ضد أي مساس بحقوق العودة.
في حال بروز أجندة في لقاء المنامة تنهي عمل وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين وتعمل على إنعاش السلام الاقتصادي فقط بدون صفقة سياسية تحسم الصراع.. ستكون عمان أمام استحقاق في غاية الخطورة، قوامه صعوبة أو استحالة تسويق أو تبني أي حلول تقترحها المجموعة الأمريكية والعربية الحليفة لها في الرياض وأبو ظبي والقاهرة لملف «حق العودة».
هنا قد يجد الأردن نفسه أمام «مفصل أو مأزق تاريخي» فكرته أنه لا يستطيع تحمل كلفة اتهام المكونات الفلسطينية له بـ «التفريط» بحقوق العودة في الوقت نفسه الذي تتهم فيه بقية المكونات الحكومة بالتساهل مع صفقة القرن.
السياق الديمغرافي يتحالف مع الواقع الجغرافي في دفع الأردن للتصدي في مواجهة أي مشروع يعبث تحت ستار «السلام الاقتصادي» وتحسين أحوال «الشعبين» حول نهر الأردن بأسس وملامح الدولة الأردنية.
يعني ذلك ضمنياً أن «إبرة التخدير» قد لا تخدم، ولا التعليقات التي تتقمص مناكفة واشنطن.
ويعني- وهذا هو الأهم – أن جولة المواجهة الحقيقية مع وقائع صفقة القرن المؤجلة لم تكن في الأشهر الستة الماضية، بل ستبدأ في غضون أسابيع، خصوصاً إذا أخفق الرهان الأردني على انتخابات إسرائيلية تخرج نتنياهو من المعادلة وتزج به في السجن، ونسخة أمريكية موازية تؤدي إلى غياب الرئيس دونالد ترامب مع طاقمه.