مصارحات «أقوى رجل» في برلمان الأردن: لن أترشح لانتخابات 2020
الشعب قال كلمته ضد «الغاز الإسرائيلي» وحضور البحرين «خطأ»
يختصر رئيس مجلس النواب الأردني، عاطف الطروانة مباشرة بعد إعلانه انسحابه التام من المشهد الانتخابي المقبل فكرة إغراء الشباب على المشاركة والاشتباك مع تفاصيل الحياة العامة برؤية نقدية للحكومة.
وجاء ذلك في حوار أمام جمع من الإعلاميين والصحافيين، نظمه مركز حماية وحريات الصحافيين، تقصد بطريقة غير مباشرة لفت نظر وزير الشؤون السياسية في الحكومة موسى المعايطة، إلى أن من يريد إشراك الشباب وتثقيف الأردنيين ديمقراطياً وحزبياً عليه أن يتقدم بتعديل قانون الانتخاب.
عبارة الطراونة النقدية لم تقف عند هذه الحدود، فقد كشف -انطلاقاً من موقعه- تقديره بأن الحكومة الحالية ليست بصدد التقدم بقانون انتخاب جديد.
في رأي الرجل الذي أعلن أمام الإعلام أنه لن يترشح للانتخابات المقبلة من يريد تعزيز نسبة المشاركة في الانتخابات والتنويع في التعددية السياسية، عليه أن يدعم تجربة التحزب والأحزاب والكتل البرلمانية، وهذا يتطلب قانون انتخاب جديداً بوضوح.
وتبدو عبارة طراونة هنا معترضة إلى حد كبير على عدم جدية الحكومة في ملف الإصلاح السياسي، وعلى أساس أن العنوان الأبرز له قانون انتخاب جديد يعفي المرشح والنائب البرلماني من أنماط المجاملات الاجتماعية والعشائرية والمناطقية التي تقفز به ممثلاً للأمة تحت قبة البرلمان. دون ذلك سنبقى نراوح المكان.. قالها الطراونة في وقت سابق لـ «القدس العربي»، لكن مصارحاته في مشهد إعلان انسحابه من المواجهة الانتخابية الأخير شملت أيضاً -ورداً على استفسار من «القدس العربي»- إظهار قدر من السخرية السياسية تجاه من يحاولون تشويه سمعة مجلس النواب بالتركيز على ملف المال السياسي.
هنا قرر أن يقولها أيضاً بلغة صريحة: «عائلتي ثرية أباً عن جد، وتعمل بالمقاولات من السبعينيات وقبل أن أفكر أصلاً في الترشح للانتخابات، وبكل حال.. أعلن عدم ترشحي حتى نرى ما الذي سيفعله هؤلاء وما سيحصل في قصة المال السياسي.»
قبل ذلك، كان طراونة يعبر عن الانزعاج من المنافسة غير الكريمة التي تغذي خصومات الانتخابات، مستذكراً ما كان يقال عن كل أسلافه من رؤساء مجالس النواب بالسياق نفسه.
درج طراونة على القول بأن الانتخابات وترشحه ودوره في الخارطة الانتخابية عبء مالي على عائلته وليس العكس، ثم اختصر في اللقاء الأخير مع الإعلاميين قائلاً وبسخرية: «سأخلي الساحة ولن أترشح وسأتركها للمال غير السياسي».
عندما تعلق الأمر بوقفة لها علاقة باتفاقية الغاز مع إسرائيل اعتبر الطراونة أن موقف الشعب الأردني وممثليه واضح، وأن هذه الاتفاقية غير شرعية بصرف النظر عن جواب المحكمة الدستورية عن سؤال يفترض أن يوجه لها بعنوان منسوب إلزامية حصول الحكومة على موافقة مجلس النواب قبل التوقيع على الاتفاقية.
ويقول طراونة: هذه الاتفاقية غير شرعية، والشعب قال كلمته ضدها، والحكومة لا تستطيع تجاهل موقف مجلس النواب، سواء كانت اتفاقية بين شركتين أو بين حكومتين.
إلى حد ما، اعتبر طراونة كلام التيار الإسلامي وكتلة الإصلاح عن مذكرة لحجب الثقة بحكومة الرئيس عمر الرزاز أقرب إلى الإعلام منه إلى خطوة دستورية وجدية. وقال إنه علم بهذه المذكرة من وسائل الإعلام، وأنها لم تسجل وفقاً للقنوات النظامية والدستورية.
ويقترح طراونة الانتقال بمنسوب العمل الوطني الديمقراطي والبرلماني إلى خطوات جدية بعنوان قانون انتخاب جديد يشبك الشباب عبر منابر الأحزاب ويسمح بالتكتلات، مشيراً إلى أن النقاش يبقى قاصراً ما لم تتخذ السلطة التنفيذية مثل هذه الخطوة حتى لو احتاج الأمر إلى تعديل دستوري.
ويرفع الرجل أيضاً سقف الرؤية النقدية بأثر رجعي، وهو يعتبر مشاركة الحكومة في مؤتمر البحرين، سيئ السمعة والصيت، خطأ كان يمكن تجاوزه، وإن كان يتفهم سبب حضور الأمين العام لوزارة المالية الذي لم يقل كلمة واحدة في نقاشات المؤتمر واكتفى بالاستماع فقط حتى يعرف صانع القرار الأردني ما قيل وما حصل من قناة رسمية موثوقة وليس عبر التداول ونقل المجريات.
رغم ذلك، المشاركة كانت خطأ؛ لأنها ضربت قاعدة عمل وطنية أردنية كانت متبعة طول الوقت بعنوان عدم قبول إلا ما تقبله الشرعية الفلسطينية ورفض ما يرفضه الشعب الفلسطيني، معتبراً أن مؤسسات الشعب الأردني في حالة إجماع على رفض صفقة القرن وتداعياتها وأفكارها وقواميسها.
وفي المشهد الختامي، يترك الطراونة -وهو رقم صعب في معادلة الداخل الأردني منذ سبعة أعوام- الباب مفتوحاً أمام سؤال عالق له علاقة بإمكانية تشكيله للحكومة لاحقاً، ودون إجابة مباشرة يؤكد طراونة أن قراره الشخصي بعدم الترشح في الانتخابات المقبلة له علاقة بشعوره بالإحباط أحياناً، لكنه قرار انسحاب من الانتخابات فقط وليس من الحياة العامة. ويعني ذلك ضمنياً بأن شخصية من وزن الطراونة يمكن أن تتاح لها فرصة العودة من نوافذ العمل العام الأخرى بعد ترك باب الانتخابات ومجلس النواب.
وعندما سألته «القدس العربي» عن تحديد صريح للجهات التي أعاقت برنامجه في مأسسة العمل البرلماني، تقصد الطراونة بوضوح مراوغة السؤال، لكن إفصاحاته العلنية في آخر ظهور له قبل الدورة الأخيرة المقبلة للبرلمان الذي يترأسه.. بسقف جريء وحمالة أوجه وتطرح مزيداً من أنماط السؤال السياسي.