«معول» غرينبلات ـ فريدمان و«غبار سلوان»
معول فريدمان يستهدف الجميع دون استثناء وسيؤذي الجميع.. واهم جداً ومريض فكرياً من يعتقد بأن الهدف فقط غبار سلوان
ديفيد فريدمان، سفير الولايات المتحدة في كيان الاحتلال، منحه الزملاء في الجزيرة الأسبوع الماضي مساحة كبيرة للشرح والتفصيل وممارسة أقصى ما يمكن لدبلوماسي كاذب ولعوب أن يضلل به.
ليست تلك مشكلتي الآن على الأقل.
ساعات فقط بعد إطلالته على شاشة عربية، شاهد العالم سفير واشنطن المسؤول بالمناسبة أيضاً عن سفارة بلاده في عمان يحمل معولاً ويشارك جمعية استيطانية يهودية في هدم جدار ما تحت بلدة سلوان قرب المسجد الأقصى.
بالتزامن تماماً، شاهد ملايين المسلمين أحد عسكر «سيدي صاحب السمو» الإعلامي السعودي المدعو «فهد الشمري» وهو ينكر المسجد الأقصى، ويتبرع بالاستغناء عنه على أساس أن الصلاة بمسجد في غانا كانت أفضل.
المشار إليه ليس له من اسمه نصيب، فهو لا يمكنه أن يقترب من فصيلة الفهود، ولا علاقة له بقبيلة محترمة مثل الشمري.
بكل حال، الأهم يفعلها صهيوني علني من وزن فريدمان أمام الكاميرات..يحمل معولاً صغيراً ويساهم في هدم حائط فلسطيني دعماً لخرافة لها علاقة بـ «البحث عن الهيكل».
في زاوية أخرى من المشهد نفسه، يمكن مشاهدة الابتسامة الصفراء لدبلوماسي أمريكي آخر تم تسويقه لنا على أساس أنه «أكثر تعقلاً» من غيره وهو جيسون غرينبلات، الذي أظهر سلسلة ابتسامات بلهاء في الموقع وشارك بدوره ببلاهة سياسية ملموسة في عملية هدم الحائط.
كل ذرة تراب تحت سلوان وفوقها فلسطينية بامتياز، بصرف النظر عن السفراء والدبلوماسيين الذين يحملون المعاول لخدمة خرافة.
لن يضر سلوان معول هنا أو هناك، فما فوقها وما تحتها كان وسيبقى فلسطينياً.
لكن المثير هو السؤال التالي: ما الذي يفعله دبلوماسيان أمريكيان يفترض أنهما يتمتعان ولو بقدر بسيط من الوقار في مشهد مريض ومختل وينطوي على خرافة من هذا النوع؟
أجزم شخصياً بأن الأمر لا علاقة له بالدبلوماسية ولا بالعقل.
ولا علاقة له حتى بدعم إسرائيل.
هو مشهد هوليودي بامتياز، الهدف منه تأسيس لفكرة «الصراع الديني».
لست متدينًا ولا أؤمن بالتطرف، وقناعتي راسخة بأن الدين لله والوطن للجميع.
لكن، الأحمقان الجاهلان ينبغي أن ننتبه لهما جيداً، فهما يستدعيان كل أساطير التاريخ في الصراع على أساس ديني وهما يحفران إلى جانب المستوطنين أسفل بلدة سلوان.
هذا سلوك «صليبي» بامتياز لا ينتمي للحضارة ولا للقيم الأمريكية التي نسمع عنها في الأفلام والمسلسلات.
هذا سلوك يستدعي كل أنماط التطرف الديني ويحاول إعادة الجميع لفكرة الصراع على الهوية الدينية من أجل حفنة خرافات وأسطورة اسمها إسرائيل المتفوقة.
غريب جداً أن مؤسسات العمق الأمريكية تسمح لدبلوماسيين بممارسة موتورة ومنحطة من هذا النوع.
غريب أكثر أن تسمح تلك المؤسسات لمسؤول أمريكي يزعم الحياد ويريد تقديم حلول تاريخية لأقدم صراع في الشرق الأوسط بحمل معول والمشاركة في هدم حائط بسبب خرافة جذورها متعلقة بصراع على أساس ديني.
أين عقلاء واشنطن؟.. أين دافع الضرائب الأمريكي؟.. هل هذا فعلاً ما تريده الإدارة الأمريكية الحالية بعنوان إعادتنا جميعاً للصراع الديني.
لاحظوا معي أن مشهد فريدمان وغرينبلات برز إلى السطح بالتزامن مع صدور تقرير أمريكي رسمي يحذر من عودة «أعنف وأبشع» لتنظيم دولة داعش قريباً.
الرسالة واضحة، يخطط الأمريكيون لاستعادة كل ما تختزنه ذاكرة البشر والمنطقة عن فوضى الصراعات على أسس دينية، وهنا لا يهم من يتورط ومن يشارك بالحفلة، فالمشهد يتم تركيبه ضد المسلمين والمسيحيين واليهود في العالم معاً، واليمين الإسرائيلي يمكنه ارتكاب أي مجزرة حتى يفلت نتنياهو من المحكمة بتهمة فساد.
كذلك الأمر بالنسبة لزعامات عربية وتحديداً خليجية، يمكنها أن تمول كل هذه الصراعات المجنونة فقط من أجل البقاء على مقعد الزعامة وكرسي الحكم.
توقعنا في حال الإصرار على هذا المرض الأمريكي أن يدفع العالم برمته ثمن الجنون القادم، وأن لا يقتصر الأمر على هدم المسجد الأقصى فقط أوعلى الشعب الفلسطيني، ففلسطين محتلة بكل الأحوال ولن يضرها «مزيد من الاحتلال».
لن ينجو أحد، ولن ينجو أي بلد، والقصة لم تعد تتعلق بالقدس، بل بمكة والقاهرة والمنامة وبغداد.. هذه عواصم تتواطأ حالياً مع الحالة القائمة بقيادة طاقم جاهل يدير الأمور في البيت الأبيض وتل أبيب، وستصلها النيران التي يشعلها فرديمان وغرينبلات على أساس «صليبي وديني» في المنطقة وهما يحملان بصورة مخجلة معولاً صنع من خشب فلسطيني لهدم جدار تحت بلدة فلسطينية على أمل رحيل «غبار فلسطيني».
الأخوة والأشقاء في المحور السعودي ينبغي فعلاً أن ينتبهوا لما يحصل، فسعد لن ينجو وسيلحق سعيداً إذا ما أكمل فريدمان وغرينبلات مشوارهما الغبي وبالمال العربي.
وما يقوله الذباب الإلكتروني السعودي عن «شعب الشحادين والمسجد الأقصى الذي لا قيمة تاريخية له» لن يؤدي للحفاظ على استقرار المملكة السعودية الشقيقة ولا على العروش في الخليج.
معول فريدمان يستهدف الجميع دون استثناء وسيؤذي الجميع.. واهم جداً ومريض فكرياً من يعتقد بأن الهدف فقط غبار سلوان.