«مندس» فلسطيني في برلمان الأردن
«استأسد بفلسطينيته».. وروايته «أيلولية»..ما الذي تعنيه هذه العبارات المتشنجة التي صدرت عن قيادات مخضرمة وكبيرة في الأردن ضد نائب فرد، قال رأيا في مسألة «القدس وصفقة القرن» يمكن الاختلاف معه أو الرد عليه؟.
لا يحتاج الأمر لكل هذا التشنج الذي ظهر في خطاب رئيس مجلس النواب الأردني المحترم السيد عاطف الطراونة وهو يحاول التعليق على مداخلة حمالة أوجه يساندها ويعارضها كثيرون لزميله النائب محمد هديب.
لا أعرف وسيلة تقنعني شخصيا أن أي رئيس للبرلمان وفي أي لحظة ولأي سبب يستطيع توجيه تهمة ضخمة جدا من وزن «مدسوس أو عنصري» ضد زميل له أدلى برأي أو تقدم بمداخلة بصرف النظر عن هويتها أو طبيعتها.
تحفل اجتماعات مجلس النواب الأردني بكل أنواع المشاهد والمداخلات المثيرة حيث تعليقات خارج السياق ودفاعات شرسة عن القبيلة والمنطقة والجهة والشلة.
حدث في البرلمان أن هاجم أحد النواب المرجعيات العليا وبالاسم.
وحدث في البرلمان أن اطلق الرصاص من سلاح رشاش وظهرت مسدسات وتقاذف النواب الأحذية وزجاجات المياه ومنافض السجائر في عدة مناسبات.
شهد البرلمان في الماضي مداخلات وحوارات غير معقولة ولا يمكنها أن تكون منطقية ومن كل الأصناف فمن نائب يدعي أنه شاهد الرسول عليه الصلاة والسلام عند شجرة إلى آخر احتقر الأردنيين ووزع عليهم أرغفة خبز إلى ثالث قضم أذن زميله ورابع هدد بنتف لحية قامات وطنية من الإسلاميين.
شاهدنا كأردنيين عشرات المرات نواب الأمة يعارضن ويناكفون ويشخصنون ويسيئون للناس والوطن والدولة والنظام ولأهم رموزه. شاهدنا مصارعين وذكورية بغيضة ضد النساء.
حصل كل ذلك وتختزن ذاكرة الأردنيين عشرات المشاهد المؤلمة والمؤسفة لكن هذه الذاكرة افترضت أن مظاهر التشنج والعثرات والأخطاء جزء طبيعي من التجربة الديمقراطية الوليدة وأن الاختلالات الفردية عندما تتحول إلى جرائم وجنايات تحت القبة يمكن مقارنتها ولو من باب «الضحك على الذقون» لما يحصل في برلمانات العالم الديمقراطي والغربي.
في كل المشاحنات والمشاجرات والمشكلات وحتى عند كل محطات المحاصصة البغيضة والآراء الموتورة والتحريضية كانت رئاسة مجلس النواب حاضرة بكل الحكمة والتعقل تحتوي وتستوعب وتدير التوازنات وتعيد انتاج المشهد وتحافظ على هيبة القانون والدستور والمؤسسة والنظام الداخلي.
لا أعرف وسيلة تقنعني شخصيا أن أي رئيس للبرلمان وفي أي لحظة ولأي سبب يستطيع توجيه تهمة ضخمة جدا من وزن «مدسوس أو عنصري» ضد زميل له أدلى برأي أو تقدم بمداخلة بصرف النظر عن هويتها أو طبيعتها
بصراحة أتابع تغطية البرلمان بحكم الوظيفة والمهنة منذ عام 1989 ولم أرصد لا أنا ولا غيري اطلاقا ولو مرة واحدة تتهم فيها رئاسة المجلس بكل بساطة صاحب رأي من المشرعين بصرف النظر عن تشنج هذا الرأي أو عدم إنصافه.
العتب شديد على السيد الطراونة تحديدا ليس لأنه بالغ في اتهام زميل له بصورة حساسة تقلق الرأي العام ولكن لأنه حدثني شخصيا عشرات المرات عن طموحه في مأسسة العمل البرلماني وتطوير اليات الرقابة والتشريع.
لا تعجبني في بعض الأحيان مداخلات النائب محمد هديب وأسجل عليه وجها لوجه التسرع والانفعال في بعض الأحيان.
ولم تعجبني مداخلته الأخيرة المثيرة للجدل بعنوان «الوصاية الهاشمية تحتضر.. والشعب الفلسطيني لوحده».
طبعا كان بإمكان هديب العمل على التمايز في العبارات بحيث تصبح مداخلته أكثر نضجا لأن أحدا لا يستطيع المزاودة حقا على موقف القيادة الأردنية في ملف القدس فهي وحدها تماما بين زعماء الأمة وفي نفس موقع الشعب الفلسطيني الوحيد في المواجهة مع نصفه الأردني اليوم.
أدلى هديب برأي منقوص يمكن مطالبته بتوضيح أو شرح ويمكن الاختلاف معه.
لكن اتجاه رأس السلطة التشريعية إلى اتهامه بكل هذه المبالغات الدرامية مثل الاندساس وإثارة الفتنة والعنصرية والاستئساد يحتاج لأدلة وقرائن خصوصا من شخصية تعودنا منها الاعتدال والحكمة واخطأت بوضوح في التعامل مع الموقف مثل الرئيس الطراونة الذي سبق أن تحالف انتخابيا المرشح هديب.
لا يحق لأحد كان أن ينصب محكمة شعبية لنائب له رأي في يتم الشعب الفلسطيني والموقف الأردني.
لا تضمن حقوق إدارة الجلسات وصلاحياتها الادعاء بتوجيه اتهام كبير يمكن أن يضر بالمجتمع ووحدته على هذا النحو غير المسبوق.
من حق كل النواب قول رأيهم ومن حقنا جميعا الاختلاف معهم.
اتهامات الطراونة لهديب أنه «مدسوس» كانت أكبر مما ينبغي ويمكن لأي جهة أو شخص ان يتهمها بالمقابل بإثارة الاحتقان الشعبي، خصوصا وأن الشارع الإلكتروني ومباشرة بعد علبة الاتهامات التي وجهت للمندس المزعوم امتلأ بالبغض والكراهية وبالجدال العقيم الذي يعيد البلاد والعباد إلى مربع تجاوزه العدو الصهيوني وهو يستهدف الشعبين والقيادتين والدولتين معا.
هديب ليس سرا أنه يمثل جزءا من المكون الفلسطيني في الشعب الأردني والحديث عن استئساده على بلده بفلسطينيته يعيد تطبيق قواعد تفكيك وتركيب السلاح العسكرية حيث يعالج الخطأ بالخطأ أيضا، أما استدعاء الذكريات الحزينة من قبل بعض المتورمين وطنيا فلم يكن موفقا بنفس القدر الذي لم يكن فيه النائب هديب موفقا في الإدلاء برأي استثنى تمييز الموقف الأردني.