واشنطن والأردن و”تخدير الألم” الاقتصادي: لعبة البنك الدولي بين “التشدد والمرونة” أصحبت لغزا سياسيا
يصر وزير المالية الأردني على أن القرض الضخم الجديد الذي حصلت عليه بلاده من البنك الدولي لا علاقة له بزيادة الأعباء في الدين الخارجي. ولا يقدم الوزير كناكريه شروحا من أي نوع وصنف على معادلته الرقمية لأن المعلن من قبل زميلته وزيرة الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة جمانة غنيمات، هو التأشير على أن القرض الجديد من بين وظائفه المتعددة سداد ديون وفوائد ديون لقرض قديم.
حتى وزيرة التخطيط الدكتورة ماري قعوار، التي زارت واشنطن ضمن وفد رفيع المستوى لإعادة التفاوض ماليا مع البنك الدولي وصندوق النقد قالت كلاما مماثلا لم يقبله أو يرضاه الرأي العام الأردني.
الوزيران قعوار وكناكريه يثيران إزعاج الجمهور الحساس بين الحين والآخر.
ورغم أن أجواء الوفد الزائر لواشنطن برئاسة الدكتور عمر الرزاز شخصيا كانت احتفالية بالتمكن من الحصول على ما يمكن وصفه بـ “وعد” القرض الجديد بنسبة فائدة مجهولة حتى الآن إلا أن النخبة الأردنية العاملة مع مؤسسات دولية مثل البنك الدولي قدمت مساعدة أساسية حتى يعبر الرزاز بمطالبه.
بدا لافتا للنظر أصلا أنها قد تكون المرة الأولى التي يتوجه فيها رئيس الحكومة شخصيا لمفاوضة المؤسسات المالية في واشنطن.
بوضوح شديد لم يصطحب الرزاز معه نائبه ورئيس الطاقم الاقتصادي في الحكومة المختص عمليا في الإدارة المالية الدكتور رجائي المعشر. حتى أن اثنين على الأقل من المفاوضين الدائمين باسم الأردن بقيا في عمان. تلك إشارة مبكرة إلى قناعة المعشر بأنه التزم بالواجبات الموكولة إليه ويرغب في الاسترخاء ومغادرة الحكومة كما ينقل عنه في التعديل الوزاري المقبل.
الأهم هو إشارة موازية إلى أن تمكن الرزاز من الحصول على القرض الدولي الجديد وهو الأضخم لبلاده عمليا أصبح بلغة البيروقراطي الأردني مؤشرا على أن الحكومة صامدة، وعلى أن سيناريو التغيير الوزاري ابتعد قليلا وهو ما يبدو أنه دفع بالرزاز لكي يتولى بنفسه المهمة وبعد “توجيه ملكي ورغبة “أوروبية وأمريكية”.
وبصرف النظر عن السخرية المرة في الشارع ومنصات التواصل بعنوان الحكومة التي تفرح وتحتفل بالاقتراض الخارجي وزيادة الديون يمكن القول بأن الرزاز شخصيا مستفيد وبكثافة سياسيا من عبور حكومته الأزمة المالية للعام 2019 إذا ما نجحت بقية المفاوضات أصلا من أجل القرض الجديد.
ثمة من يتحدث في السياق نفسه عن سعي البؤر العميقة في المجتمع الدولي لتمكين شخصية مدنية من طراز الرزاز أكثر.
وثمة من يتصور أن الرزاز كان في طريقه للرحيل إذا فشلت زيارته لواشنطن وإنْ كان مضمون الزيارة النهائي والأخير هو تخدير وتأخير الألم ليس أكثر في الوقت الذي سارع فيه الرجل لإطلاق سلسلة تصريحات تشيع الأمل والتفاؤل من طراز تخفيف أرقام البطالة وتحفيز البيئة الاقتصادية والنمو وجذب المزيد من الاستثمارات.
مهم في السياق نفسه الانتباه إلى أن القرض الدولي الجديد وقبل نضوجه سجل هدفين مهنيين في السياق المالي لصالح حكومة الأردن فقد وفر أولا الحماية مرحليا لسعر الدينار الأردني الثابت في مواجهة أزمة اقتصادية ومالية طاحنة.
كما أنتج الانطباع بأن الأردن يستطيع الاقتراض لاحقا من غالبية الصناديق المالية الدولية مادام البنك الدولي قد منحه الأولوية.
لا يخفي الخبراء الإحساس بأن هذه النتيجة محصلة لخيار سياسي ولا يتلمس المراقبون مستوى وعمق الرعاية الأمريكية لمثل هذا الاتجاه المالي في تمكين الأردن وفجأة من العبور من أزمته المالية ولمدة عام على الأقل وبصورة توحي ضمنيا وبشكل مرجح بضرورة الانتقال لمستوى ترقب الاستحقاق السياسي.
هنا لا بد من التوثق من أن الرزاز سواء خطط لذلك أم خطط آخرون له حصل على جرعة مساندة قوية داخل نخبة القرار والإدارة والقرار في الأردن وبين موازين القوى بعدما سمي بأضخم قرض أعقب مرحلة معقدة من التشدد.
ليونة البنك الدولي المباغتة بعد ثمانية أشهر من التشدد المتعصب أصبحت لغزا سياسيا يحتاج إلى التفكيك.
لكن حكومة الرزاز لا تريد الوقوف طويلا عند المسالة لأن الدوافع السياسية للأطراف التي تحجب وتمنح المال أصلا يمكن استنتاجها ببساطة عندما يتعلق الأمر بالأردن ودوره ووظيفته في المستقبل القريب.
بصرف النظر عن الوظيفة أو الدور في الإقليم لا بد من تتبع الحراك الدولي والإقليمي والأردني عشية المفاوضات التي انتهت بقرض المليار وربع الجديد.
تكفي الإشارة هنا إلى أن الرزاز أصبح أقوى في معادلة الداخل مباشرة بعد زيارة مايك بومبيو إلى عمان، وبعد ذلك يمكن ملاحظة الحركة الأفقية التي أعقبت بومبيو فقد توقف الرئيس عبد الفتاح السيسي في عمان، وزار الملك عبد الله الثاني بغداد لأول مرة.