اراء و مقالات

الأردن: العضايلة «هز الغربال» والإخوان أبعد عن «الشارع»

عمان – «القدس العربي»: لا أحد عملياً في الحالة الأردنية المتفاعلة سياسياً واجتماعياً، والأهم نقاشياً، اليوم، يمكنه نفي مضمون ومعلومات التعليق المتلفز العلني الذي أدلى به الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد العضايلة، عندما تحدث عن أن الجميع في الأردن اليوم يشتكي ويتذمر، ذاكراً بصورة خاصة ضباط الأمن والمخابرات والعسكريين المتقاعدين وشيوخ العشائر، وعلى أساس “شايفين الأشرطة والتسجيلات”.
وحذر الشيخ العضايلة، خلال مداخلته، من حالة الشكوى الجماعية، داعياً إلى فتح البلاد للحوار والتحدث، واصفاً الأردن بأنه “مريض بالسرطان” الآن.
لكن الأهم سياسياً في تلك المداخلة التي تقدم بها الشيخ العضايلة في إحدى المحافظات على هامش ندوة إلكترونية تدرس وثيقة للتحديث الاقتصادي قدمها أكبر أحزاب المعارضة عملياً في البلاد، وهو يشير إلى طبقات محددة مؤكداً أن تلك القناعة التي تروج اليوم بأن الشرائح والفئات الاجتماعية الحليفة للدولة والنظام والتي تعتبر بالعادة حصته منذ عقود، هي التي تشتكي أو وصلتها الشكوى تطبيقاً للمقولة التي كان قد حذر منها أمام “القدس العربي” عدة مرات رئيس الوزراء الأردني الأسبق طاهر المصري، وهو يتحدث عن زيادة في رقعة كاظمي الغيظ.
في مقاربات الشيخ العضايلة، الجميع يشتكي الآن، والشكوى وصلت إلى مناطق لم تصل لها سابقاً، ومن بينها قاعدة وشيوخ العشائر ونخبة الضباط المتقاعدين، الأمر الذي يبدو أن مراكز القرار تدركه وتلمسه، خصوصاً بعد أحداث إضراب سائقي الشاحنات الأخير، بدلالة أن نشاطات رئيس الديوان الملكي يوسف العيسوي تحديداً تكثفت في الأسبوعين الماضيين في لقاء نخب متعددة من طبقة المتقاعدين العسكريين والأمنيين وممثلي العشائر في أكثر من منطقة ومحافظة.
بكل حال، يهز الشيخ العضايلة هنا الغربال سياسياً وإعلامياً، ويوجه رسالة عميقة تحت ستار التحدث عن مشروع حزبه في مواجهة التحديات الاقتصادية.
وهي رسالة لا يمكن إسقاطها من الحسابات اليوم، مع إدراك بأن الحلفاء التقليديين في عمق المجتمع للرواية الرسمية وللسلطات التنفيذية بالعادة، هم الذين كانوا جزئياً في حالة حراك، وأحياناً احتجاج مؤخراً، ويشمل دور العزاء التي وجهت فيها انتقادات حادة لأداء الدولة والمنظومة الأمنية والحكومة أيضاً ومجلس النواب، مع أنها دور عزاء لشهداء الأمن العام في مواجهات معان الأخيرة. وظهر أن مجالس العشائر اليوم فيها آراء نقدية لا تقال لا في المعارضة الداخلية أو الخارجية ولا حتى تحت قبة البرلمان، مما يدل على عمق الأزمة التي يحذر منها الشيخ العضايلة، وقد كان أمام “القدس عربي” في وقت سابق قبل أكثر من عامين، وعدة مرات، أول من حذر من أن الإصلاح مطلوب، وعلى النظام والدولة أن يصلحا نفسيهما قبل المؤسسات الأخرى. بكل حال، الشيخ العضايلة استمر في المطالبة بين الحين والآخر بإعادة فتح البلاد أمام حوار سياسي ووطني صريح هذه المرة.
لكن الجملة التكتيكية له ولرفاقه في أهم وأكبر أحزاب المعارضة، وهو الحزب التابع للحركة الإسلامية والإخوان المسلمين، سلوك لا يمكن التستر عليه سياسياً؛ لأن مثل هذه التحذيرات للدولة ومراكز القرار تحت عنوان التذمر الذي كان قد شعر به الجميع في الأوساط الاجتماعية الحليفة للرواية الرسمية بالعادة يتسق مع خط واتجاه عامين اتخذتهما الحركة الإسلامية مؤخراً في سياق الاحتجاجات التي أعقبت إضراب سائقي الشاحنات.
وهنا برز أن الحركة الإسلامية عزلت نفسها عن سياق الاحتجاجات وقدمت أدلة كبيرة وعميقة على أنها لا تسعى أولاً للاستثمار في لحظة الوضع المعيشي المتأزم. وأنها، ثانياً، ليست بصدد العودة إلى العزف على وتر الشارع في أزمة اقتصادية حساسة، والأمل موجود عند قيادة الحزب والجماعة الإسلامية في الأردن بأن تلتقط مجسات الدولة والقرار والحكومة هذه الرسائل العميقة، لأن الإسلاميين لم يشاركوا عملياً في الاحتجاجات بصورة حزبية وملموسة، التي شهدتها مدن جنوب المملكة مؤخراً، لا بل قدموا اشتباكات عقلانية ومتزنة في التشخيص العام وظهر أنهم ليسوا بصدد الاستثمار في اللحظة والراهن للضغط على القرار السياسي أو الحكومة.
فوق ذلك، شوهد قادة الإخوان المسلمين في مقدمة مشيعي جثمان وجنازة المعارض البارز ليث شبيلات، رغم أنه وفي الـ 20 سنة الماضية قبل رحيله، تخصص في انتقادهم.
وإلى ذلك، وفي نفس المسار التكتيكي المرتبط بحالة كمون تكتيكية لا تلعب بورقة الشارع، حرص الإسلاميون على حضورهم في أقرب مسافة ممكنة من البنى العشائرية والاجتماعية التقليدية، سواء التي تحركت في المجتمع مثل مدينة معان التي احتفظت بانتقادات حادة، أو في دور العزاء؛ فقد زار وفد من قيادات الحزب والجماعة دار العزاء عند قبيلة بني حسن في الشهيد العقيد عبد الرزاق الدلابيح.
وتوجه قياديون لتقديم العزاء لعوائل وعشائر شهداء الأمن العام، ولاحظ الجميع بأن كتلة الإصلاح الإسلامية في البرلمان تواجدت بالقرب من المعتصمين والمحتجين في مدينة معان تضامناً معهم، أو بهدف الإصغاء لهم وتقديم ما يمكن أن يفيد المصلحة العامة.
كما لاحظ الجميع أن القطب البرلماني الإسلامي في كتله الإصلاح، صالح العرموطي، حصراً، كان الأنشط في إظهار الاعتراض على مبررات اعتقال الناشط والحراكي البارز في مدينة معان ورئيس بلديتها الأسبق ماجد الشراري، معتبراً بأن الاتهامات التي تلاحق الشراري اليوم مبالغ فيها جداً، وبعض عقوباتها تصل إلى الإعدام، ومحذراً من كبت الحريات العامة.
بكل حال، اقترب الإسلاميون من مواطن وجع الناس، وكانوا في أقرب مسافة ممكنة للشرائح العشائرية والاجتماعية التي تتذمر، وفي الوقت نفسه يوجهون قبل يومين فقط تحذيرهم الأعمق على لسان الشيخ العضايلة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى