كيف تقرأ صحافة الأردن؟ غياب شرائح بأكملها وأسماء أبناء مسؤولين في «تعيينات الصف الأول»
تركيب ثم تفكيك «متعجل»… وتضخم النخب و«أنيميا» الإنجاز
وجد عضو مجلس الأعيان الأردني الجديد الدكتور عودة قواس، نفسه أمام زحام من التساؤلات وأحياناً التعليقات التي تؤشر على حالة نخبوية غير مفهومة في المشهد السياسي المحلي، تدل على الاضطراب قبل أي شيء آخر وأقرب إلى الاسترسال في الفانتازيا.
مسافة زمنية قصيرة جداً فصلت بين نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة وتعيين القواس عضواً في مجلس الأعيان.وأسابيع قليلة أيضاً فصلت بين قرار القواس، أحد أبرز حلفاء قوائم الإصلاح الإسلامية، المباغت في الأيام الأخيرة للحملة الانتخابية بالانسحاب من المواجهة، وبين قرار تعيينه عضواً في المجلس العيني، تعويضاً له على الأرجح – أو هكذا يظهر المشهد- عن فقدانه مقعداً مؤكداً في الانتخابات. وعندما انسحب القواس أعلن بأن قواعده الانتخابية طلبت منه ذلك.
لكن الانطباع قوي عند شريكه في القائمة، القطب البرلماني صالح عرموطي، وقد سمعته «القدس العربي» مباشرة، يقول أن المسألة تعلقت بالضغط الذي مورس على أربعة شركاء في قوائم الترشيح المقربة من الحركة الإسلامية.
حركة قواس، المرشح عن المقعد المسيحي ولم يكمل باللحظة الأخيرة، كان ثمنها المباشر حرمان قوائم الإصلاح من «مقعدين شبه مؤكدين» حيث خسرت التجربة الوطنية والبرلمانية عموماً حضور الدكتورة ديمة طهبوب.
تلك قد تكون في سياق الهندسة التي يرى الشيخ مراد عضايلة إنها استهدفت مرشحي الإصلاح الوطني.
تركيب ثم تفكيك «متعجل»… وتضخم النخب و«أنيميا» الإنجاز
لكن عودة القواس من بوابة الأعيان بعد انسحابه من نافذة الانتخابات والنواب يشكل علامة فارقة في النقاش الدائر ليس فقط عن كيفية إدارة الأمور، ولكن في منسوب التجاذب الذي تثيره تداعيات النتائج والحملات الانتخابية الحرجة.
وقد بدأ الأردنيون على منصاتهم يعبرون عن «قلقهم» بعد انزعاجهم من تكرار مثل هذا التنميط على أكثر من سياق، ونحو بدلالة رسوم كاريكتور لاذعة وساخرة تشير إلى مكافآت بالمناصب حصل عليها البعض في مواسم تنزيلات «جمعة حرق الأسعار».
الإشارة بالغة هنا إلى منهجيات غير مسبوقة على الصعيد النخبوي، وإلى «رسائل» لا تبدو مريحة من جهة الحكومة والسلطات ومراكز القوى في تفكيك وتركيب وإعادة تفكيك وتداول وأحياناً تدوير النخب.
تعيين أربعة بدلاء في مجلس الأعيان عن أربعة أعضاء أصبحوا وزراء في غضون شهرين شهد استرسالاً في التجاذب، ومحاولات هوسية للفهم والاستيضاح؛ فالجنرال توفيق حلالمة تنقل بين موقعين: الأول في الأعيان، والثاني في وزارة الداخلية ثلاث مرات في أقل من شهرين. وقبل ذلك، راقب الوسط السياسي حكومة الدكتور بشر الخصاونة تلتقط خبيراً برلمانياً وتشريعياً من وزن محمود خرابشة في عمق أواخر الحملة الانتخابية، وتنقله وزيراً للدولة في اللحظات الأخيرة؛ لإخلاء مقعده شبه المضمون أيضاً في انتخابات محافظة البلقاء، وسط انطباع عام بأن النتيجة أيضاً هندسية ولها علاقة بتمهيد الساحة لفوز مرشح آخر. وليس سراً أياماً قليلة فصلت سابقاً بين تعيين أربعة وزراء في الحكومة الجديدة سبق أن تعينوا قبل عدة أيام فقط في مجلس الأعيان.
ظاهرة التفكيك والتركيب «المتعجل» بدأت تتكرر في المشهد النخبوي المحلي وتثير تساؤلات من كل الأحجام حول «خطط موضوعة» أو موسمية تتغير باستمرار وبصيغة يرى البعض بأنها تؤشر على «الحيوية والديناميكية» بينما يرى آخرون بأنها مؤشر على نظام العمل بالقطعة والتقسيط.
يتكرس في الأثناء الانطباع بأن التمسك بسياسات التعيين وفقاً لاعتبارات المحاصصة الكلاسيكية يدفع الدولة في بعض الأحيان للتفريط بالاعتبارات المهنية وبنظام الاحتياجات الفعلي في مواقع الصف الأول لصالح أشخاص ينشغل جميع المستشارين والوزراء بـ»تدبير» مقاعد لهم في سلم الوظائف العليا، على الرغم من الأحساس العام بـ»عقم» الأدوات المهنية، وعلى الرغم مما يسميه بالعادة الباحث الدكتور وليد عبد الهادي بـ «تضخم الأنا وأنيميا المنجز».
في كل حال، مثل هذه التنقلات والتعيينات في الأردن ليست جديدة، ويرى كثيرون أنها من مؤشرات التوازن الاجتماعي، وإن كانت كلفتها باهظة دوماً، لأن الزحام شديد جداً على مواقع الصف الأول، والابتزاز تتعرض له خيارات واتجاهات القرار أحياناً. والثمن تدفعه شريحتان أساسيتان كانتا لعقود في بؤرة عملية بناء الدولة، وهما التكنوقراط الفنيون، وطبقة رجال الدولة والفكر السياسي، وأحياناً الزعامات الوطنية.
بعيداً عن العزف على وتر «الواقعية» المحلية، يقل حضور «المهنية والكفاءة» ويزيد شعور شرائح متعددة بعدم تكافؤ الفرص وبتوارث المواقع والوظائف، حيث لاحظ خبير عتيق أمام «القدس العربي» بأن قراءة الصحف هذه الأيام تدل على ظاهرتين: الأولى أسماء «أبناء» مسؤولين سابقين في تنميط محتمل للتوريث السياسي، والثانية غياب «مكونات» بأكملها عن مواقع الصف الأول.
ذلك لا يعبر فقط عن أزمة الأدوات، لكن عن وصول الأزمة ذاتها إلى مستويات «الاستعصاء». ومع أن التجربة الوطنية عموماً مستقرة وآمنة، إلا أن الكلفة عالية ومرتفعة على صعيد التغيير والإصلاح، وأيضاً على صعيد تكريس «الغربة» وبعثرتها هنا وهناك، كما يقدر السياسي مروان الفاعوري.