اراء و مقالات

الأردن والسؤال القديم يتكرر: متى يصبح الوقت ملائماً لاستقبال «قادة حماس»؟

عمان- «القدس العربي»ليس سراً أن الأوساط السياسية والنخبوية الأردنية انشغلت مجدداً بالبحث عن أفضل سبل المقاربة الدبلوماسية في الاتجاه العام للدبلوماسية الأردنية في ظل تلاحق وتتابع الأحداث ضمن مسارات غير متوقعة وبصيغة تثبت بأن الأردن قد لا يكون دبلوماسياً على الأقل وبالرغم من المبادرات المنتجة والاختراقات التي يحققها القصر الملكي على مستوى المجتمع الدولي قريباً جداً من منطق “التأثير بالوقائع” إلا بنسبة محدودة.
مرة جديدة شعر أردنيون منتقدون للأداء التحالفي العام بالغبن في ظل التقارير التي تتحدث عن تطور لافت في الاتصالات ما بين المملكة العربية السعودية الجارة وحركة حماس. ويبدو أن هذه الاتصالات التي تدعمها إيران عن بعد وكذلك الحوثيون في اليمن نتجت عن جهد إيراني خالص خلف الكواليس، وضع بضعة معتقلين في السعودية ضمن صفقة تبادل الأسرى مع الحوثيين في اليمن. والمعنى أنها ليست اتصالات “دعائية”، بل تنتج حالة تفاعل، برأي الخبير السياسي البارز الدكتور محمد حلايقة، مع المتغير الإقليمي وتنتهي بمكانيزمات نشطة تتعامل مع ملفات أساسية مطروحة.
بكل حال، مجمل تفاعلات الاتفاق السعودي الإيراني انتهت بفتح قناة حوار أو نافذة حوار مع حركة حماس. وفي الوقت الذي يطور فيه الإيرانيون والسعوديون مفهوماً يقفز بالقيادة السياسية لحماس إلى واجهة الحدث والتشاور، يبقى “تحسين العلاقات الأردنية” مع تيارات المقاومة ضد المحتل الغاصب في فلسطين بصيغة الأماني، على حد تعبير القطب البرلماني خليل عطية، الذي يجدد الدعوة عبر “القدس العربي” لحالة توازن في الاتصالات الأردنية تشمل جميع مكونات الشعب الفلسطيني المقاوم.

أمر ضاغط بشدة

وهو عموماً أمر ضاغط بشدة على مستويات الجدل الداخلي في الأردن، لأن التواصل مع حركة حماس واستئناف العلاقات معها كان حلقة أساسية من كل التوصيات التي وردت في سلسلة كبيرة وممتدة من الاجتماعات وورش العمل المغلقة خلافاً لأن أعضاء في البرلمان طالبوا عدة مرات بأن يوازن الأردن أو ينوع في خياراته السياسية عبر استقبال قادة حركة حماس في عمان وبناء جسور التفاهمات معها، وعبر تغيير المقاربة الدائمة والمتكررة بعنوان البقاء خلف رئاسة السلطة الفلسطينية باعتبارها الممثل الوحيد للشرعية، علماً بأن الواقع الفلسطيني يبلغ ضمناً بأن السلطة الفلسطينية وأجهزتها ومؤسساتها خارج نطاق الفعل على الأرض.
يستمر النقاش بعد أنباء الانفتاح السعودي على حركة حماس، وأصبح يتطور باعتباره من الملفات السياسية الأردنية المحلية، خصوصاً أن حركة حماس لها جمهور واسع في الجبهة الداخلية الأردنية.
لكن الرواية أو السردية الرسمية المرتبطة بحركة حماس لا تزال تلك التي تقول بأن الأردن لا يستطيع وبحكم ارتباطاته بالإدارة الأمريكية وحصوله على أكثر من مليار ونصف دولار سنوياً كمساعدات من الولايات المتحدة، لا يستطيع إقامة علاقة علنية ومباشره مع فصيل في المقاومة الفلسطينية تصنفه الإدارة الأمريكية في قائمة الإرهاب.
وهو رأي سمعته في “القدس العربي” من أعضاء في البرلمان قريبين جداً من دوائر القرار مؤخراً، لكن علاقات كاملة مع حماس ليست هي المطلوبة، بل الإصرار كبير على مقاربة دبلوماسية جديدة تصلح العلاقات المتردية مع السعودية وتفتح آفاقاً مختلفة في العلاقات مع الجمهورية الإيرانية وتحافظ على المصالح الأردنية في العراق وسوريا ولبنان أيضاً.
يعيد الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي مراد عضايلة، التذكير وهو يتحدث مع “القدس العربي” بتلك “القيود المعرقلة للمصالح” التي تورط بها الأردن جراء “الانخراط” بالترتيبات الأمريكية سياسياً واقتصادياً، ويرى “أننا ندفع الآن ثمن هذه السياسة” بإغلاق زوايا يفترض أنها قابلة للمناورة سياسياً.
كل مسؤول أردني عند ذكر حماس والمقاومة الفلسطينية، يقف عند عبارة “الوقت المناسب لم يبرز بعد”. وكل ملاحظ يشارك العضايلة في استفساره: “متى إذاً سيكون الوقت مناسباً؟”. النقاشات النخبوية فعالة وساخنة في الملاحظة على أداء الدبلوماسية الأردنية وفي الحديث عن أوراق قوة كامنة لم تستخدم بعد حتى في مواجهة اليمين الإسرائيلي الذي يضرب الوصاية الأردنية في القدس ويعمل على تفكيكها بوضوح وعلناً.
وهنا لوحظ بأن وزراء سابقين للخارجية أيضاً انضموا للمتحدثين عن مقاربات دبلوماسية ممكنة ولا تكلف البلاد ثمناً سياسياً في مواجهة التصرفات الإسرائيلية مع الإشارة إلى سوابق تم استخدامها في الماضي، ومن بينها طلب مغادرة السفير الإسرائيلي بعد الأزمة التي حصلت بخصوص “باب المغاربة” في القدس الشريف قبل سنوات طويلة.

طرد السفير الإسرائيلي؟

طُرد السفير الإسرائيلي آنذاك لفترة مؤقتة، وتدخلَ الأمريكيون وقيل لهم أن مصالح الأردن جوهرية في مسألة المسجد الأقصى، والمقاربة المقترحة اليوم هي تلك التي تجعل طلب مغادرة السفير لعمان من أوراق القوة التي يمتنع الأردن عن استعمالها. ووفقاً للشروحات التي تقدم بها لأعضاء في مجلس النواب وزير الخارجية أيمن الصفدي الأسبوع الماضي، فإن قرار طرد السفير بناء على توصية من مجلس النواب صوت عليها بالإجماع ممكن، لكن ما يدفع الحكومة لتأخير اتخاذه هو الخشية من أن تتحول أنظار المجتمع الدولي مما يفعله الإسرائيليون المتطرفون إلى نبأ طرد السفير في الأردن، الأمر الذي يمكن لليمين الإسرائيلي أن يستفيد منه.
تلك طبعاً وجهة نظر رسمية، وقيلت كشروحات للنواب المتطلعين لتنفيذ توصيتهم بطرد السفير، لكن وفقاً للعديد من الخبراء الدبلوماسيين، لا تبدو وجهة نظر مقنعة ولا مفسرة، كما ينبغي عدم استخدام مثل هذه الورقة ما دام على المحك الوصاية الهاشمية في القدس. لذا، دور الأردن في الأفق الإقليمي بشكل خاص في القضية الفلسطينية.
في المقابل، توجيه النقد حصرياً لوزير الخارجية باعتباره “مهندس المقاربات” قد يغادر المنطق العلمي، لأن الوزير بحكم وظيفته أحد اللاعبين المنفذين في صناعة بعض التفاصيل الإجرائية وليس الصانع المباشر أو الوحيد للسياسة الدبلوماسية.
العلاقات مع السعودية والمصالح مع العراق وسوريا وتداعيات الاتفاق السعودي الإيراني وكيفية التصرف في مواجهة اليمين الإسرائيلي، كلها قضايا أصبحت ملحة جداً وحمالة أوجه وتطرح في كل المجالات.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى