اراء و مقالات

«المستر بيل»… ماذا سمع وقال؟ نخب عمان انشغلت بأول اشتباك مع الأمريكيين و«الإصغاء» لمن صنفوا بـ«خصوم الدولة»

عمان- «القدس العربي»: هل زار الأمريكي المهم، ولقبه بين الدبلوماسيين والسياسيين «المستر بيل» العاصمة الأردنية عمان مؤخراً؟
لأسباب مفهومة، انشغلت النخبة والصالونات السياسية الأردنية بتحصيل إجابة على هذا السؤال، حيث تسرب من واشنطن ما يفيد بأن السيد بيل، وهو وليم بيرنز، رئيس جهاز الاستخبارات الأمريكية، رافق وزير الخارجية أنتوني بلينكن في جولته الأخيرة في المنطقة.
الحيثيات والوقائع تفيد بأن السفير الأمريكي الأسبق في الأردن والمكلف الآن إدارة جهاز الاستخبارات، سبق بلينكن إلى عمان وأجرى فيها حوارات عميقة قليلاً، ثم غادرها إلى فلسطين المحتلة، وقام بجولة خاصة تمهيدية في المنطقة قبل وصول بلينكن. تلك وقفة لها مغازيها ومعانيها السياسية، خصوصاً أن بيرنز موصوف وسط الأردنيين بأنه «صديق عمان» ومن المؤمنين بتقديم الدعم والإسناد الاقتصادي والسياسي والأمني لعمان.
لا يتعلق الأمر بانطباع فقط، فأغلب التقدير بأن بيرنز استمع للقيادة الأردنية وقال بعض ما لديه خلف الستارة والكواليس، وتوقف مع مسؤولين كبار في القصر الملكي، وغادر بهدوء، وصمت فاسحاً المجال أمام الطابع الرسمي لزيارة الوزير بلينكن.
بالنسبة للمفكر السياسي عدنان أبو عودة، بيرنز من الخبراء الديمقراطيين الأساسيين في قضايا المنطقة وملف الصراع. وعلى هامش نقاش جديد مع «القدس العربي» قدر أبو عودة بأن خبرات السفير بيرنز بحكم عمله وتأليف كتابه السياسي عن تجربته، تؤهله للخوض في بعض التفاصيل مع الأردنيين.
ذلك يعني أن التكتم على ما دار من نقاشات بين السياسيين أو مسؤولين أردنيين وبيرنز هدف ينسجم مع طبيعة وظيفة الرجل ومهمته التي اتخذت شكل عنوان الانتقال عبر الأردن ومصر تحديداً، إلى مستوى خط الإنتاج الثاني بعد تثبيت وقف إطلاق النار، وهو يتمثل على الأرجح بعودة الحوار التفاوضي والنفخ قليلاً بخيار حل الدولتين، الذي يعتبره أبو عودة ليس أكثر من لغو سياسي ودبلوماسي حتى اللحظة.
وهو منطق يتفق معه ضمنياً وزير البلاط الأردني الأسبق الدكتور مروان المعشر، أحد الخبراء القلائل والمقربين من بيرنز نفسه عندما يفسر لـ«القدس العربي» تصوره التحليلي السياسي عن القول بحل الدولتين دون وجود خطة واضحة الملامح للضغط من أجل تنفيذه أمريكياً.
سألت «القدس العربي» مبكراً الدكتور المعشر عن دلالات اشتباك مسؤولين أمريكيين مع التفاصيل في المنطقة، فاعتبر بأن بناء أي استنتاجات متسرعة الآن قد ينطوي على قراءة مغلوطة للبوصلة الأمريكية، مشيراً إلى عدم وجود معطيات أو معلومات بين يديه حول هذا الاشتباك، وناصحاً بالتركيز على مصالح الأردن والأردنيين في ظل التفاصيل والمحددات.
في كل حال، سمعت «القدس العربي» أيضاً سياسيين كباراً يعتبرون التحدث مع مسؤول أمريكي رفيع مثل بيرنز، خطوة مهمة وفي الاتجاه الصحيح، وإن كانت السفارة الأمريكية ومعها وسائل الإعلام الأردنية الرسمية قد تكتمتا على التفاصيل.
لوحظ بوضوح بأن شغف النخبوي الأردني بتتبع وملاحقة ما قيل لبيرنز تحديداً وليس لبلينكن وما يمكن أن يكون قد قاله، هو الأبرز في التهامسات السياسية.
لكنه شغف انتهى بطرح تساؤلات سياسية في الواقع عن نتائج وتداعيات أول لقاء أردني تقريباً مع طاقم متقدم في إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن.
ليس سراً أن التواصل والتفاعل مع مسؤولين كبيرين في الإدارة الأمريكية مؤخراً ساهم في تنشيط بعض الملفات الداخلية والمحلية بالرغم من كون العنوان العريض كانت له علاقة مباشرة بالمتغير والمستجد في ملفي إسرائيل وفلسطين.
هنا لاحظ المتابعون، بحرارة، أن انفتاح مؤسسة القصر الأردنية على لقاءات مع سياسيين ونشطاء وفاعلين في التفكير السياسي مؤخراً هو من العلامات الفارقة، بما في ذلك الحوارات الاستشعارية التي جرت مع دعاة إصلاح معروفين بدأت تستمع لهم الدولة أو تقول إنها تريد الاستماع لهم في أعقاب سنوات من الجمود والقطيعة، لا بل التصنيف في دائرة ولعبة «خصوم الدولة». بين هؤلاء كان المعشر نفسه، وغيره. وبينهم نشطاء بصفة نقدية بالعادة لا تستمع لهم الحكومات، وتتجاهلهم المنظومة البيروقراطية.
لسبب غير مفهوم بعد، يمكن القول بأن الضوء الأخضر صدر في الأردن لإطلاق عاصفة من النقاشات بعناوين الإصلاح المنشود إدارياً واقتصادياً وسياسياً أيضاً، بالتزامن مع النقاشات والاستشعارات العميقة التي وفرتها أحداث فلسطين مع مسؤولين أمريكيين كبار.
على المحك هنا ليست فقط مصالح الدولة الأردنية بالجلوس على طاولة التأثير في المسار الإقليمي، لكن أيضاً المساعدات الاقتصادية والمالية الأمريكية للأردن، وضمان الاستمرار في توفيرها، إضافة إلى تلك المناقشات التي يمكنها أن تطال ملفات أخرى، من بينها الحريات في الأردن، ودور المملكة في القدس، وفي تثبيت هدنة طويلة غربي النهر، ولاحقاً الدور اللوجستي في مشاريع إعادة الإعمار لقطاع غزة.
تلك قضايا وضعت على الأرجح على طاولة النقاش، فيما كان بيرنز يتجول خلف الكواليس في عمان، وبلينكن أمامها.
في السياق، لم يعد سراً ارتفاع صخب الحديث عن الإصلاحات في الأردن سياسية الطابع ومتدرجة، دون تدخل أمريكي مباشر بالتزامن مع تلك الملامسة مع أركان إدارة بايدن، بالإضافة إلى تحديد بعض الاحتياجات الاقتصادية الأردنية الملحة، والوعد الأمريكي الضمني التلميحي إلى أن خطة إعادة إعمار غزة تتضمن حصة للتنمية في الضفتين الشرقية والغربية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى