اراء و مقالات

الأردن مجدداً: «تكبيرات» في استقبال الدويري و«احنا رجال محمد ضيف»… و«لوجستيات الأمن» في مواجهة الإسلاميين

ساعات قليلة فصلت بين المشهد الذي استقبل فيه طلاب الجامعة الأردنية في العاصمة عمان المحلل اللواء فايز دويري بـ «هتافات وتكبيرات» رمزية لصالح المقاومة، وبين مشهدية موازية تضمنت حواراً حاداً بين قادة فعالية تضامنية «ممنوعة» بالقرب من مقر السفارة الأمريكية، كان طرفها شخص يعترض بشدة على استمرار التظاهرات في الشارع الأردني وينتقد «غياب الأعلام الأردنية» عن تظاهرات الإسلاميين.
الدويري وهو جنرال متقاعد من مؤيدي المقاومة الفلسطينية، استقبله طلاب الجامعة الأردنية بحفاوة بالغة وبهتافات لكنتها «إسلامية» وبدون حضور أي من مسؤولي الجامعة على هامش محاضرة رمضانية دعي لها في مقر أم الجامعات في المملكة.
ما حصل مع الدويري يظهر مستويات متقدمة من «تعلق» القطاعات الشعبية وحواضن طلاب الجامعات بيوم 7 أكتوبر وبإسناد المقاومة شعبياً، فيما التعرض لقيادات الإسلاميين من قبل أحد العابرين في الشارع مؤشر مقابل على الزاوية المقلقة التي تقرأ منها السلطات وبعض الفعاليات تلك العودة السريعة والصاخبة لتظاهرات الشارع بعد ساعات فقط من استئناف القصف الإسرائيلي لقطاع غزة.
الحالة الاجتماعية التضامنية الأردنية عالقة مجدداً بتداعيات 7 أكتوبر، والهتافات عادت للقائد الشهيد «احنا رجال محمد ضيف»، وأجواء النصف الثاني من شهر رمضان أعادت المزاج الشعبي لعامي 2023 و2024 عندما كانت بيانات كتائب القسام تخاطب «شعب النشامى… كابوس الاحتلال».
عملياً، ليست الحركة الإسلامية وحدها في ميدان الصخب والتظاهر بالشارع، لكنها بإجماع المراقبين تمثل «الزخم الشعبي والعددي» لإنجاح أي فعالية تضامنية شعبية مع أهل قطاع غزة تنديداً بالعدوان الإسرائيلي المتجدد ضد أهالي القطاع.
ردة فعل الشعب الأردني بقياسات رئيس الوزراء الأسبق، طاهر المصري، هي الأكثر حضوراً وتفاعلاً قياساً بغياب الحراك عن شوارع الدول العربية بعد استئناف العدوان الإسرائيلي ويساندها -كما يقدر المصري على هامش نقاش جديد مع «القدس العربي»- موقف رسمي أردني، بالتأكيد هو الأفضل والأنشط عربياً.
لا تقول الحكومة الأردنية الكثير في تداعيات تجدد القصف الإسرائيلي. ووزير الخارجية أمين الصفدي، منشغل مع بعض النظراء في محاولة إعادة إجلاس اتفاق وقف إطلاق النار على الطاولة؛ بمعنى إنقاذه بدلاً من عودة المنطقة والإقليم إلى مناخات التصعيد.
ولا تقول الحكومة أيضاً الكثير في وجهة نظرها بخصوص «عودة الصخب والتظاهرات» على إيقاع قصف الأطفال والمدنيين في غزة، فيما يقدر المصري بخبرته العميقة والواسعة بأن تقارب الموقفين، الرسمي والشعبي، «ذخيرة وطنية» وورقة رابحة يمكن الاستنتاج بأنها تقول الكثير عن موقف الأردنيين قيادة وشعباً، في رفض العدوان لا بل في مواجهته.
السلطات ليست موحدة في قراءة مشهدية عودة التظاهرات وبصخب ملحوظ بعد صلاة التراويح ليلتي الثلاثاء والأربعاء، حيث عناصر وعوامل جديدة في محفزات القراءة، أهمها تجنب «لفت أنظار» الإدارة الأمريكية المتطرفة الحالية لقوى الشارع الأردني، ما يعفي السلطات لاحقاً من تنبيه إدارة الرئيس دونالد ترامب لملف «الإخوان المسلمين» خلافاً لأن نبض الشارع يعود للهتاف للمقاومة الفلسطينية ولحالة «7 أكتوبر» في ظرف اقتصادي ومعيشي حساس للغاية.
الأهم، من وجهة نظر خبيرة تراقب المعطيات، أن تفعيل خاصية التظاهر في الشارع الأردني في نفس ليلة استئناف القصف تبرز، فيما علاقة الحكومة عموماً بالتيار الإسلامي وجماعة الإخوان المسلمين متوترة وفيها الكثير من التصدعات، لا بل التجاذبات، حيث خلافات على كيفية ومستوى العودة للشارع، وخلافات أهم لها علاقة بملف «الاعتقالات» الذي يبدو أنه «أولوية» في خطاب الإسلاميين السياسي، وأولية «أمنية» في ترتيبات العمق الرسمي لأن المنظومة الرسمية مصرة على منع أي حالة تلفت الأنظار عبر تحويل الأردن إلى ساحة عمل ونشاط مناهض للإدارة الأمريكية حصراً.
لذلك، قررت السلطات المختصة، مساء الأربعاء، توجيه رسالة لقوى التظاهر مضمونها أن التجمع في اعتصامات قرب السفارة الأمريكية تحديداً في ضاحية عبدون غربي العاصمة عمان بات «ممنوعاً»، الأمر الذي دفع حزب جبهة العمل الإسلامي أكبر أحزاب المعارضة في البلاد لإصدار بيان يعترض فيه على القرار «اللوجستي الأمني» مندداً بما سماه عودة «القمع الأمني».
المتظاهرون وقيادتهم من التيار الإسلامي لا يريدون الإقرار بأن الدولة لها حساباتها الدقيقة الآن في جزئية «تنظيم تظاهرات أمام سفارة واشنطن»، ويعتبرون بأن حريات التعبير تتضمن حقهم في التظاهر في كل المواقع، فيما من يتخذ القرار بالمنع في الواقع «لا يعترض» على تجمع التظاهرات بالقرب من المسجد الحسيني وسط العاصمة بعيداً عن مقرات السفارات.
العنصر الأدق في الفهم الرسمي هو ذلك الذي يعلم مسبقاً بأن السماح بمظاهرات صاخبة يمكن أن تنفلت على بوابات السفارة الأمريكية في عمان، مجازفة واقعية قد تعمل على توفير «ذخيرة» لإدارة الرئيس ترامب حتى يمارس المزيد من الضغوط على الحكومة الأردنية.
والمعنى هنا، أن الحسابات اختلفت مع واشنطن في ظل ترامب بعد الدور الأردني الملكي المؤثر في «قمع ومنع فكرته عن التهجير». ذلك يعني أن ما كان مسموحاً في عهد إدارة الرئيس جو بايدن قد يختلف في عهد ترامب. مثل ذلك المنظور يدخل في حقوق السلطات السياسية والأمنية، لكن الجانب الشعبي المتظاهر خصوصاً في حاضنة المقاومة العريضة في المجتمع الأردني، لا يجد نفسه معنياً بتلك الحسابات، مما قد يدفع لاحقاً -إذا ما استمر القصف ومعه التظاهرات التضامنية في عمان- إلى ظهور مؤشرات «صدام حسابات» بين قوى التحريك الشعبي والأجهزة الأمنية، وهو ما ظهر عملياً مساء الأربعاء، حيث اعترضت جبهة العمل الإسلامي على قرار «لوجستي» بمنع أنصارها من التظاهر والاحتجاج على بوابات السفارة الأمريكية، فيما السلطات لم تتدخل في تظاهرات صاخبة مرتين نظمت في منطقة وسط العاصمة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading