اراء و مقالات

المغترب الأردني و«شمعة» الإصلاح

إعادة النظر بقانون الهيئة المستقلة للانتخابات مطلب ملح أيضا، والحرص على إنقاذ سمعة وهيبة البرلمان الأردني هو المطلب الأكثر إلحاحا

الذريعة التي استخدمت في الماضي لعقود وحالت دون تمكين المغترب الأردني من المشاركة في الأعراس الانتخابية والديمقراطية الوطنية، ينبغي أن تسقط الآن بعدما فقدت قيمتها، ليس فقط لأن الإصلاح السياسي أفقي وشمولي وينبغي أن لا يقسم إلى أجزاء تفقده دسمه ووزنه. ولكن لأن الإصلاح الحقيقي يتطلب اليوم ولأول مرة تمكين الأردني أينما كان من المشاركة السياسية.
أضم صوتي للمقترح الذكي الذي يحاول تقصير المسافة بين الأردنيين في الخارج ووطنهم وأهلهم في الداخل، ليس فقط عبر تمكين المغتربين من المشاركة في الانتخابات ترشيحا وتصويتا كما تفعل بقية شعوب الأرض المتحضرة. ولكن أيضا عبر التحدث مع هؤلاء القوم والتواصل معهم والاستثمار فيهم، فالمغتربون خبرة بشرية هائلة ومخزن إستراتيجي ورأسمال تواق دوما لوطن أفضل.
كنت برفقة زملاء في مدينة المحمدية المغربية، وفهمت ما الذي يعنيه إرتباط المغترب بوطنه عندما غادرت زميلة بسرعة، حتى تلحق بالقطار الذي يوصلها إلى مقر السفارة البلجيكية بعد تحديد موعد لها للإدلاء بصوتها كمواطنة بلجيكية.
مشهد فيه من السرور الكثير وعلى بساطته يعني بأن المغترب ليس مجرد آلة أو ماكينة ينسى مشاعره وإنحيازاته تجاه وطنه وقومه، ولا أرى ما يمنع إظهار الدولة الأردنية ولو لمساحة صغيرة من الاحترام والتقدير للمغتربين الذين يرفدون خزينة بلادهم بمليارات الدولارات، وهم دوما ذخر حقيقي في الخبرة والكفاءة والوطنية والمال أيضا.
تحتاج خطوة من هذا النوع إلى جرأة من دوائر القرار، تتجاهل المسكنات والمرعبات والمخدرات التي تخيف من مثل هذه الخطوة فلا أحد يزاود على المغترب الأردني، وحتى دول الجوار التي قيل لنا دوما إنها لا تقبل من أولادنا نقل تجارب انتخابية تتطور فيها آليات المشاركة وتتغير أحوال الانفتاح فيها، وفي حال حصول حساسيات يمكن تدبير الأمر بهدوء وصمت وعبر نظام تصويت إلكتروني لا يزعج ولا يغضب أحدا.
من فرط ما تحدثنا عن الأوراق البيضاء ذات القيمة في حوارات التفكير الإصلاحي الأردني، بدأ البعض يتهمنا بلعن الظلام والتشكيك مسبقا والعبث في التحليل والاستنتاج، وكثرت تلك الاقتراحات التي تنطلق باسم لجنة تحديث المنظومة السياسية الملكية وتطالبنا باقتراحات.

إعادة النظر بقانون الهيئة المستقلة للانتخابات مطلب ملح أيضا، والحرص على إنقاذ سمعة وهيبة البرلمان الأردني هو المطلب الأكثر إلحاحا

رئيس اللجنة المعنية بقانون الانتخاب البرلماني خالد البكار طالبني والصحافة علنا بالمشاركة في تقديم مقترحات وحلول وأفكار. حسنا سنشعل شمعة.
تمكين المغترب الأردني من التصويت والترشيح بأي وسيلة خطوة في الاتجاه الصحيح.
وضع نصوص قانونية في صلب قانون الانتخاب تتضمن عقوبات بالسجن والغرامة تؤدي إلى تجريم أي تدخل من قبل أي موظف أو مواطن في نزاهة عملية انتخابية أيضا خطوة في الاتجاه الأصح، وتفاعلات اللجنة لا قيمة لها إذا لم توفر الأساس النصي القانوني ليس لرصد التدخل والعبث بالانتخابات فقط بل لفرض أغلظ العقوبات على من يسيء لمستقبل الدولة الأردنية بمثل هذا السلوك المشين.
دمج الدوائر الانتخابية أيضا بعيدا عن حسابات الديمغرافية والسياسة من التحديات الرئيسية والخطوات المطلوبة إضافة الى خفض سن المرشح. حتى يتوقف العبث بالدوائر الانتخابية وتوزيع عدد المقاعد فيها لا بد من تضمينها في نصوص قانون الانتخاب، وإلغاء كل اللوائح والأنظمة الملحقة التي تتيح للسلطة الإدارية لاحقا تغيير أو تعديل أي بند مهم في مراحل العملية الانتخابية.
إعادة النظر بقانون الهيئة المستقلة للانتخابات مطلب ملح أيضا، والحرص على إنقاذ سمعة وهيبة البرلمان الأردني هو المطلب الأكثر إلحاحا، ولا يقل أهمية عنه إلا تقديم ضمانات إلزامية بنص القانون وليس بالخطاب السياسي والبيروقراطي فقط تمنع أي تدخل صغر أم كبر لأي جهة رسمية او أهلية بكل تفاصيل ومراحل العملية الانتخابية.
نزعم بأن غالبية الشعب الأردني لا يضيرها صنف النظام الانتخابي ولا قصة عدد الأصوات، بقدر ما فقدت عملية الانتخاب رصيدها وسط الناس، بسبب التدخل والعبث وهو متعدد الأشكال والأنماط، وأحيانا يرتدي الزي الرسمي، وتلك النقطة الفاصلة اليوم في إنجاز قانون انتخابات منصف وعادل.
من ألحق ضررا بصورة البرلمان والدولة الأردنية هو تلك الممارسات التي تسمح بالعبث والتدخل وما يجري في غرف عمليات الانتخابات أحيانا أكثر أهمية من العصف الذهني في اللجان الملكية لأن منظومة الإجراءات تسمح بالتدخل العبثي الفردي والشخصي وليس بالضرورة العبث الرسمي بقرار مؤسسي. وبالتالي ضبط الإشراف القضائي بعملية محكمة لا تقبل الشكوك لمراحل فرز الأصوات وعدها هو الضمانة، حيث أخفقت الضمانات الحكومة العلنية عدة مرات، حتى أن نسبة الإقتراع في دوائر مهمة جدا في العاصمة عمان وصلت إلى 9 في المئة، ليس من سكان تلك الدائرة، ولكن من الذين يحق لهم الاقتراع بينهم.
يعرف جميع أصحاب القرار ما هي مشكلة الانتخابات في الأردن. ويعرف هؤلاء جميعا كيف يمكن معالجة هذه المشكلة واستعادة مصداقية العملية الانتخابية. لا يحتاج الأمر لتنظير ولجان أحيانا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى