اراء و مقالات

برلمان الأردن: الدغمي – الفايز… «ثنائية» تقلق و«الندّية» ارتفعت و«المنظومة» وسط الطريق

الرسالة من المجلس تقول إن «الرئيس الجديد قوي ومتين وصاحب قرار»

عمان- «القدس العربي» : يمكن تلمس النوايا والفرضية وبعض تفاصيل ما هو قادم في المشهد السياسي البرلماني الأردني من خلال مراقبة أداء ومفردات ثم سلوك وتصرفات رئيس مجلس النواب الجديد المنتخب عبد الكريم الدغمي.
إحدى الثنائيات التي لا بد من مراقبتها سياسياً جيداً في الدورة العادية المنعقدة الآن للبرلمان هي تلك التبادلية بين الرئيس الدغمي والنائب الجريء محمد الفايز، حيث كان الثاني قد رشح نفسه في أول مداخلة له تحت القبة كنائب جديد لانتخابات رئاسة المجلس السابقة، وحصل على رقم مثير من المؤيدين، كان بينهم الدغمي. في كل حال، يتردد وسط النواب أن النائب الشاب والديناميكي محمد الفايز، عالج مشكلة ما مستعصية لصالح الدغمي قبل انتخابات الاثنين الماضي. لكن الحديث عن ثنائية قطبية قد تفرض بصماتها لاحقاً ليس بحكم تلاقي الخبرة العتيقة مع ديناميكية طموح الشاب، لكن بحكم الثقل الاجتماعي أيضاً.

الرسالة من المجلس تقول إن «الرئيس الجديد قوي ومتين وصاحب قرار»

في كل حال، ظهرت تلك التبادلية صباح الثلاثاء، وأظهر الدغمي جملة إدارية في مجلس النواب سريعة الفعالية بعد ساعات فقط من انتخابه، حيث كان النائب الفايز يستقبل مجموعة مزارعين يعتصمون مثل غيرهم أمام مجلس النواب، وبضغط من الفايز وزميلين له لوحظ أن المعتصمين لم يقفوا كما كان يحصل في الماضي في الشارع فقط، بل دخلوا إلى بيت الشعب والتقاهم رئيس البرلمان وسمع منهم ثم خطب فيهم معلناً متابعة القضية مع الحكومة أولاً، ومتحدثاً عن ماضي زراعة القمح في الماضي ثانياً.
ضمنياً، تقول الرسالة هنا أن الأمور في مجلس النواب اختلفت وبسرعة، وأن الرئيس الجديد قوي ومتين وصاحب قرار، وأن الأردني المعترض بعد الآن أو المحتج سلمياً أو المعتصم سيدخل إلى بيت الشعب ولن يبقى في حالة هتاف ورفع لافتات فقط في الشارع.
تلك بصمة من الثنائي الفايز-الدغمي لها ما لها لاحقاً.
لكن ثمة بصمات أخرى تبدو محطة للتأمل أو التأمل السياسي، فالدغمي بدأ يستعمل تلك العبارات التي تربط التفاعل بالرؤية الملكية والمرجعية.
تلك تلميحات تعني الكثير وتوحي أن مسألة الربط والتشبيك مع التوجيه المرجعي لم تعد حكراً على الحكومة والوزراء وعلى قاعدة «ثمة شريف جديد في المدينة» كما قال أمام «القدس العربي» أحد أعضاء المجلس.
الاستعادة الجماعية على منصات التواصل لمقابلات تلفزيونية سابقة سجلها الدغمي وكانت مثيرة للجدل، تخدم الرجل حتى وإن كانت نوايا إعادة التقاطها من الأرشيف في الاتجاه السلبي، بدلالة التركيز على المقابلة الشهيرة التي قال فيها الدغمي «احنا مجلس ديكور». وفي جملة تكتيكية في الاتجاه المعاكس يقول الدغمي بصراحة ووضوح، إنه سيعيد صلاحيات النواب وهيبة المجلس، وذلك يعني ضمنياً أن تلك الصلاحيات كانت مخطوفة من السلطة التنفيذية أو غيرها، وأن المهمة الأساسية اليوم لرئيس مجلس النواب الجديد هي إظهار قدرته على إسقاط «فكرة ومنهجية مجلس الديكور» .
قد يغازل الدغمي بذلك طيفاً واسعاً من وجوه البرلمان الجديدة المرهقة والباحثة عن هوية سياسية بعد موسم استمر لعام من التشكيك بالهيبة والحضور والأداء عقب ما سمي بانتخابات مهندسة. وقد يستفيد الدغمي من كل ذلك لكي يعلن ضمنياً أن المسألة تختلف الآن بدلالة وضعه لجملة اشتراطية عندما خطب على المنصة رئيساً، قائلاً أن موقف المجلس من التعاون مع الحكومة سيتواصل «مادامت ملتزمة ببرنامجها».
تلك جملة شرطية اعتراضية في القراءة السياسية يعتقد بعض المراقبين أنها تزاحم حصة الحكومة في النفوذ، وتبلغ ضمنياً رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة أن مستوى الندية السياسية ارتفع بعدما اعتلى منصة الرئاسة لاعب مثل الدغمي، سيقتنص الفرصة بالتأكيد لتمرير صفقة متكاملة بحضور تشريعي أنيق تحت عنوان تحديث المنظومة السياسية، موحياً أن الاعتماد ينبغي أن لا يستمر كله على السلطة التنفيذية فقط بعد الآن.
لكن في الجوار تصوراً سياسياً مختلفاً يقول أن المواجهة التي قفزت وأعادت الدغمي لمنصة الرئاسة بعد نحو 10 سنوات من الغياب على الأقل مفيدة للدولة وطنياً أيضاً، وأوحت أن الأقوياء في البرلمان وأصحاب الخبرة يمكنهم تقدم الصفوف. الأهم في الجوار أيضاً تلك النظرية التي تفترض أن هامش الحركة والمناورة أمام خبير بحجم الدغمي ليس حراً تماماً وبلا قيود، كما يفترض الواهمون؛ فالدغمي صوت لصالحه عملياً أقل من نصف عدد أعضاء المجلس، ورغم فارق الخبرة الملحوظ ،فاز بترجيح 6 أصوات فقط على منافسه الرئيسي الدكتور نصار القيسي. هل يعني ذلك أن بقاء الدغمي على سدة رئاسة المجلس «على الحافة» عملياً؟
ذلك سؤال مطروح بين النواب. لكن الإجابة عليه متأخرة برسم تلك الدوافع والروافع التي قفزت بالدغمي مجدداً، مع أن الرجل حقق اختراقات وتمكن من استقطابات، فيما مكانة منافسه الدكتور نصار القيسي، محفوظة بهيبة أيضاً وبجاهزية مرتفعة؛ فقد حصل القيسي على 56 صوتاً وظهر ديمقراطياً وأصبح من الأرقام الصعبة، وقد يكون جاهزاً للانقضاض على الموقع في المرات المقبلة أكثر وقبل غيره. وفي المحصلة، مشهد البرلمان الأردني اليوم حمال أوجه.
والمفاجآت لا تزال محتملة، لكن الأمور تغيرت، والندية ارتفعت، وهوامش المناورة بوجود الدغمي والمؤيدين له من النواب اليوم أمام الحكومة انخفضت، ويفترض أن تستفيد وثيقة المنظومة السياسية وتحديثها حصرياً من المعطيات الجديدة ما لم تحصل مفاجآت على درب الرهان مع عودة الدغمي غير محسوبة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى