اراء و مقالات

الأردن: العمل الخيري ثم النقابي بدون «الإسلاميين»… ما هي النتائج والتداعيات؟

عمان- «القدس العربي»: واضح وملموس مستوى ومنسوب تأثير السعي الرسمي الأردني لإخراج الحركة الإسلامية بتعبيرها «المحظور» من المعادلة الاجتماعية ثم «النقابية».
واضح أكثر أن فكرة المشهد السياسي الداخلي بدون الجماعة المحظورة تبدو مغرية للعديد من الأطراف المشاركة في اللعبة، بما فيها القوى التي تصف ذاتها بأنها «وطنية وبديلة» عن التيار، أو بعض نخب اليسار والتيار المدني التي تنظر لنفسها بصيغة واهمة قليلاً باعتبارها الوريث الشرعي للمواقع الاجتماعية التي شغلها التيار الإسلامي في البلاد منذ 70 عاماً.
القصة في هذا السياق اختلطت قليلاً، حيث لم تعد المسألة مرتبطة حصراً بتطبيق القانون أو الالتزام بتنفيذ قرار قضائي سجل واتخذ عام 2000 وبدأت التأثيرات تمتد على صعيد الرغبة في إنتاج حالة اجتماعية مستجدة خالية من تأثيرات وبصمات وحضور الجماعة المحظورة في اتجاهين مرصودين:
الأول هو شبكة النشاط الاجتماعي والخيري التي كانت تديرها منذ عقود جمعية توصف بأنها المسؤولة بصورة مباشرة عن تحشيد الأصوات بالانتخابات للإسلاميين بسبب حضور نشاطات وفعاليات الجمعية واسمها المركز الإسلامي في الأزقة والأحياء والقرى والمخيمات.
تلك طبعاً مهمة ليست سهلة؛ لأن الحكومة التي ترغب في إخراج الإسلاميين من معادلة العمل الخيري والاجتماعي المباشر مع المواطنين عليها أن تفهم مسبقاً أن الرأي العام يراقب التفاصيل، وعليها تجهيز البديل الملائم لوراثة وتمثيل هذا الحضور الاجتماعي الذي لا يستهان به، والذي نتج طوال سنوات عن شراكات وأحياناً تواطؤ مع الحكومات المتعاقبة.
في الملف الثاني اجتهاد خارج النص فيما يبدو أيضاً تحت عنوان النقابات المهنية، حيث أُخرج الإسلاميون بعدة وسائل وخلال أسابيع قصيرة وقليلة فقط وبدلالتهم التنظيمية من 3 نقابات مهنية على الأقل وفي توقيت حرج يعاني فيه العمل النقابي الأردني عموماً مما كان يصفه بالعادة في الماضي نقيب المهندسين الأسبق أحمد سمارة الزعبي بـ»تجريف العمل النقابي» في البلاد بدون فهم المعطيات وهضم النتائج.
التشكيلات التابعة لأهم تعبيرات الحركة الإسلامية أخرجت من المعادلة في نقابة الأطباء مؤخراً، وتأثرت انتخابات نقابة المهندسين لاحقاً.
وكانت قد حسمت قبل ذلك في نقابة المحامين. وما يفهم من الرسالة العلنية التي نشرها الصيدلاني والنقابي أحمد أبو غنيمة ظهر الإثنين بعد الإفراج عنه وتوقيفه لعدة أيام، هو أن الانتخابات في نقابة الصيادلة شهدت استقطابات وتجاذبات وإقصاء لمكون ولون سياسي محدد.
في رسالة أبو غنيمة التي أرسلها لـ «القدس العربي» ظهر الإثنين، نعى تقريباً ما وصفه بالديمقراطية والنزاهة في نقابة الصيادلة، واستعمل لهجة قال فيها للرأي العام «عظم الله أجرنا وأجركم في نقابة الصيادلة».
الرواية التي تقدم بها أبو غنيمة لتبرير توقيفه 4 أيام على ذمة شكوى في الجرائم الإلكترونية، تربط بين انتخابات نقابة الصيادلة واعتقال الرجل الذي يعتبر مفتاحاً محركاً لقائمة بميول إسلامية في تلك النقابة المهمة.
لا أحد سياسياً وإعلامياً يعلم بعد ما هي خطة الحكومة وإلى أين تريد أن تصل في إخراج التيار الإسلامي من معادلات بقيت مستقلة بعد إجراءات الحظر الأخيرة ودون العمل على توفير بدائل منظمة ومقنعة.
يرى الناشط الحقوقي المعروف عاصم العمري، في نقاش مع «القدس العربي» أن الهوس البيروقراطي في تقليص حضور حواضن اجتماعية تدعم المقاومة وتؤيد التيار الإسلامي، ينتهي الآن لصالح بيئة تراجع فيها كبير وحاد على مستوى أصناف الحريات.
تتراجع حرية التعبير برأي العمري، أما النقابات المهنية التي كانت طوال عقود بيوت خبرة تخدم الدولة وليس العكس فتترنح الآن بتلك التدخلات التي يتحدث عنها أبو غنيمة وغيره. وقوى المجتمع المدني -كما يقدر العمري- تتراجع إلى الوراء ويتم تجريف بعضها بدون حسابات أحياناً تحت عناوين الضبط والربط في المجتمع.
قد لا يقف الأمر عند تلك الحدود؛ فقانون الجرائم الإلكترونية يتربص بالنشطاء وأصحاب الرأي أحياناً، وموجة التوقيفات الاحترازية طالت كثيرين من معلقي الشبكة الإلكترونية، ونعي شخصية مثل أبو غنيمة للانتخابات والديمقراطية في نقابة الصيادلة هو إشارة مبكرة على أن هاجس تقليم أظافر الإسلاميين وإقصائهم يتحول إلى نطاق عملياتي في المجتمع.
لا يمكن معرفة الحدود ولا التداعيات إذا ما أصبح أو تحول إقصاء الإسلاميين عن العمل الاجتماعي منهجية متبعة حتى وإن ارتدى لبوساً يرتبط بالعمل الخيري، ولاحقاً عن العمل النقابي في سياق حالة فوضى يمكن رصدها، عنوانها عدم وجود بدائل متاحة لكي يبقى الإسلاميون بعد خضوعهم لإجراءات القانون والحظر في إطار الحضور الإيجابي اجتماعياًـ بعيداً عن الإقصاء المنهجي.
رموز الجسم النقابي تحديداً كانت تشتكي منذ سنوات من تهميش العمل النقابي بسبب حدة هواجس التخلص من نفوذ التيار الإسلاميين. والنقابات المهنية في أغلبها تترنح تحت لافتة مشكلات نظامية أو قانونية أو مالية الآن بسبب ما يوصف بأنه سياسة التدخل الرسمي، علماً بأن إبقاء مؤسسات الجسم النقابي وبعض الشبكات الاجتماعية متاحاً للمتشددين من الإسلاميين لم يعد في المقابل السيناريو الأفضل عندما يتعلق الأمر بوزن المصالح وتداعيات الاصطفافات والتحالفات.
الموقف يزداد تعقيداً، ووجود طبقة تتسع من رعايا النقابات المهنية تشعر بالمظلومية والإقصاء بصرف النظر عن مسألة التيار الإسلامي قد لا يكون الاتجاه الأكثر حكمة في استقرار العمل النقابي وعودة النقابات المهنية لواجبها الوطني.
في المقاربة ذاتها، قد تأثر نوعية وتصنيف العمل الاجتماعي وسط مخاوف رسمية تقول إن الوقوف عند إجراءات الحظر وترك أنصار ونشطاء التيار الإسلامي يستحكمون في بعض الواجهات مثل النقابات المهنية هو مؤشر يعاكس المضمون الوطني والقانوني لإجراءات الحظر، فيما ترى مقاربة متوازية فكرة الوريث والبديل في بعض المفاصل والمواقع أن عليها أن تدرس بعناية أكبر قبل المضي قدماً في مشوار طي صفحة الجماعات المحظورة.
البدائل الانتهازية التي تظهر هنا أو هناك قد تخلط الأوراق في معادلة الإنتاجية. وتسليم خصوم أو منافسين للإسلاميين بعض مفاتيح العمل الاجتماعي والنقابي بدون أدوات قياس قدرات مهنية، قد ينتهي بتقديم وصلات دعائية مجانية لصالح الإسلاميين.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading