اراء و مقالات

خلافات «وزراء وأطباء»: سيناريو «الأردن دون حكومة» يزحف وتوقيت «صيفي» في الشتاء

عمان – «القدس العربي» : يقدم الإقرار العلني الذي تقدم به للمرة الثانية الوزير الأسبق وأبرز خبراء الفيروسات في الأردن الدكتور عزمي محافظة، دليلاً إضافياً على تلك المفارقة التي التقطها الجميع مبكراً في إطار السعي لوثائق مرجعية إصلاحية في الملف السياسي والاقتصادي والإداري من الصنف العابر للحكومة، حيث ارتجال على المستوى البيروقراطي، وزحام من الصنف الذي يعيق الحركة بين المسؤولين والمؤسسات والوزراء، واجتهادات متعددة لأصحاب ألقاب المعالي، إضافة إلى إشكالات بالجملة لا تناسب تحديات المرحلة وأولوياتها.
الدكتور محافظة، صرح علناً بما يجري مع اللجنة الوبائية التي يفترض أن تكون صاحبة السبق في اتخاذ القرارات وإقرار التوصيات وتحديد مسار البوصلة على المستوى الإجرائي، كاشفاً النقاب عن أن عضو اللجنة الوبائية من العلماء والاختصاصيين الأطباء الذي يعترض على قرارات مجلس الوزراء يطرد من عضويته في اللجنة.
وصحيح أن المحافظة، يتحدث عن تجربته مع وزير الصحة الأسبق سعد جابر، لكن الصحيح أيضاً أن ضعف اللجنة الوطنية المختصة بالوباء في المسار الإجرائي كان واضحاً تجاه اجتهادات الوزراء أو مكاتب وزراء الصحة ومكاتب رئاسة الوزراء، حيث لجان وزارية وتوصيات تتزاحم وأحياناً تتلاطم.
مجدداً، يعود الدكتور المحافظة إلى قاعدته القديمة، فهو صاحب تصريح شهير عندما غادر لجنة الوباء الوطني في بداية أزمة كورونا، مع أنه الأكثر خبرة -حسب الأطباء الأردنيين- في الاشتباك مع الخريطة الفيروسية، لا بل قد يكون الوزير السابق والطبيب الوحيد الذي يستفسر منه ويسأله كبار القوم وكبار السياسيين والمسؤولين ورجال الأعمال عن كيفية تصرفهم مع عائلاتهم عند تفاصيل فيروس كورونا.
سابقاً، صرح الدكتور المحافظة، في تبرير انسحابه واستقالته من لجنة الأوبئة قبل نحو عامين، قائلاً بأن لجنة الأوبئة ليست فرقة إنشاد. لكن المحافظة خرج بتصريح جديد يوضح فيه بأن الإشكالية مازالت قائمة، ويكشف فيه بأن لجنة الأوبئة تتخذ القرارات أو تعتمد القرارات التي يتخذها مجلس الوزراء، رغم أن البوصلة تسير في اتجاه معاكس في غالبية دول العالم.
البيئة الظرفية التي خرج فيها تصريح المحافظة هنا تؤسس مجدداً لعنصر اشتباك من طراز آخر، فللتو كان الرأي العام الأردني أمام صدمة حقيقية عنوانها تناقض الإفصاحات والبيانات الرسمية بين كبار الوزراء حول مسائل إجرائية صغيرة، كان من بينها التوقيت الصيفي الذي تقرر في الشتاء لأغراض احتواء شهر رمضان المبارك المقبل، أو لأغراض يجهلها الرأي العام، إضافة إلى علاقة هذا التوقيت بدوام الأطفال والمدارس.
هنا برزت إشكالية جديدة كان نجماها نائب رئيس الوزراء الوزير توفيق كريشان، ووزير التربية الدكتور وجيه عويس. وصرح ريشان، في حالة عزف منفرد بتوقيت محدد لدوام طلاب المدارس صباح الأربعاء، لكن عادت وزارة التربية والتعليم وبضغط من الوزير الدكتور عويس لمعاكسة التصريح الذي أدلى به نائب رئيس الوزراء الوزير كريشان، بمعنى أن الوزير عويس يدافع عن حصته ومساحته في اتخاذ القرارات وإدارتها وفقاً لما تقرره وزارة الاختصاص، وعلى أساس أن كريشان اختصاصه في شأن الحكم المحلي، وهو عندما يصدر أمراً أو يتخذ قراراً أو يعلن بياناً باسم التربية والتعليم، يغادر منطقة الاختصاص.
طبعاً، يعكس ذلك عشرات اللقطات التي ظهر فيها الطاقم الوزاري العامل مع رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، خارج نطاق الاختصاص، باستثناء وزراء على أصابع اليد الواحدة.
يمكن القول إن هذه الاشتباكات كانت تحصل في الواقع بالماضي مع كل الحكومات، لكنها كانت مفيدة وليس في زمن محنة أو أزمة اقتصادية معيشية سياسية ثلاثية وأيضاً صحية أضاف لها الفيروس كورونا الكثير. غياب الانسجام أصبح عنواناً للأداء الوزاري في العديد من الحكومات بالرغم من كثرة التعديلات الوزارية.
وبالتالي، بقاء هذه الازدواجية لا بل هذا الخصام في جسم مؤسسة الطاقم الوزاري يخدم تماماً -وهنا يكمن شيطان التفاصيل السياسية العميقة- السيناريو الذي يذهب في اتجاه انتزاع صلاحيات من السلطة التنفيذية أو الحكومة لصالح مجلس الأمن القومي الجديد، وهو مجلس دستوري سيؤسس قريباً جداً ويسيطر في إدارته على قضايا تصل نسبة ميزانيتها في الدولة إلى 60%، وهي قضايا الأمن الداخلي والخارجي والشؤون والملفات الخارجية برمتها، علماً بأن الرئيس الخصاونة كان قد صرح بأن الدستور لا يحرص على مبدأ الولاية العامة.
وعليه، يبدو أن الحكومة تسارع في خطوات التبرع بصلاحيتها لصالح تأسيس حالة جديدة عنوانها دسترة الأمر الواقع، حيث القرارات تتخذ في السياق السيادي والعميق، والمطلوب من الحكومات بعد الآن فقط التنفيذ، وحيث الحنين كبير جداً لحالة توجد فيها وثيقة إستراتيجية واحدة قابلة للتنفيذ بعيداً عن صدامات الوزراء أو تنافساتهم أو طموحاتهم. وهو السيناريو الذي يذهب الأردن في اتجاهه، لكنه يذهب وسط المجهول، في رأي سياسيين مخضرمين؛ لأن الأساس كان، كما يؤكد الدكتور ممدوح العبادي وهو لاعب مشتبك ودائم الحركة والتعليق والتعقيب والعودة في الاحتكام للدستور فقط وليس الاجتهاد خارج نصوص الدستور.
باختصار، إن تزاحم الوزراء بين الحين والآخر يخدم أو يقدم ذخيرة حية تؤدي إلى تسمين السيناريو المتعلق بالاستغناء عن صلاحيات الوزراء كما كانت في الماضي، ثم التأسيس لمرحلة جديدة، وهو ما يحصل بالمناسبة الآن على صعيد ملفي الإصلاح الإداري والاقتصادي، حيث ورشة عمل عميقة يشارك فيها أكثر من 300 شخص في الديوان الملكي، ستضع وثيقة قال الرئيس الخصاونة علناً إنها عابرة للحكومات؛ بمعنى أن القرارات في الأردن الجديد أو الأردن الذي وصفه رئيس الوزراء الأسبق عبد الرؤوف الروابدة بأنه في اتجاه نظام بديل وجديد، ستتخذ في إطار مؤسسات لا علاقة لها في الحكومات. وما يقوله المتحمسون لهذا الانتقال وتلك القفزة هو أن تلك الوصفة هي الأقرب لتقاسم بعض الصلاحيات التنفيذية مع أحزاب سياسية أو كتل حزبية برلمانية توصي بتشكيل حكومات مستقبلاً.
الأردن يتغير وبقوة في المسار الدستوري، ويتغير وبقوة أيضاً في مسار شكل وهوية وصلاحيات ودور الوزراء. وبعض أعضاء الطاقم الوزاري في هذه المرحلة يقدمون الأدلة على ضرورة أهمية الخلاص من الشكل الحالي والقديم، والاتجاه نحو الشكل الجديد المجهول.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى