«المهنية» تحاول وتزحف في الأردن: تنويع بتوقيع الخصاونة في مطابخ الاستشارات… ومركز «الأوبئة» برتبة «وزير»
بعد الاستعانة بالحلايقة وتعيين الهواري… «تمكين قانوني» وتفعيل مستشفيات ميدانية
خطوتان مرسومتان بدقة وبـ «بيكار» رئيس الوزراء الأردني الدكتور بشر الخصاونة، ويفترض أن تتبعهما قريباً جداً خطوات أخرى عميقة وتنطوي على رسائل سياسية في البعد الوطني، لا تقف عند حدود فتح صفحات جديدة بل ترسيم ملامح اتجاه «مهني» أو ينصف المهنيين إلى حد ما.
قرر الخصاونة الاستعانة بالمخضرم والخبير الدكتور محمد الحلايقة رئيساً للمجلس الاقتصادي الاجتماعي في الأردن، وهي خطوة في التعيين والانتقاء لمجلس الوزراء تحظى في العادة بمراجعة ملكية ومرجعية. المؤسسة التي أصبح الحلايقة رئيساً تنفيذياً لها مساء الأحد، تعتبر من الروافد المهمة لمطبخ الحكومة والدولة، وتصدر عنها تقارير وتوصيات ذات قيمة رفيعة تناقش التفاصيل وترتبط برئاسة الوزراء.
بعد الاستعانة بالحلايقة وتعيين الهواري… «تمكين قانوني» وتفعيل مستشفيات ميدانية
بالمعنى السياسي والبيروقراطي، يلتحق أخيراً نائب رئيس الوزراء وبرلماني سابقاً من أهل العلم والمعرفة، بالمطبخ الاستشاري للحكومة. تلك خطوة تعني بأن اشتباك الخصاونة مع الواقع الموضوعي بدأ، وقد ينتهي بمعالجة مفيدة وإن تأخرت قليلاً في العديد من المسارات والملفات.
في الخطوة الثانية تؤسس وزارة الخصاونة لسياق مهني أيضاً، فقد غادرت الأسماء الإعلامية اللامعة والكبيرة وقررت التنسيب بتعيين الطبيب الدكتور فراس الهواري رئيساً للمركز الوطني الجديد للأوبئة والأمراض السارية. وهو مركز قال الخصاونة نفسه أمام «القدس العربي» بأنه مشروع يحظى بأولوية حكومته ويشكل نظرة عميقة لاحتياجات الوطن، انسجاماً مع رؤية ملكية مرجعية تسعى لتوفير ملاذ عبر مؤسسة وطنية سياسية علمية تعالج بعد الآن ملفات الأوبئة.
الهواري لم يكن من الأسماء المطروحة لهذه المؤسسة الوليدة التي نص عليها خطاب التكليف الملكي لحكومة الخصاونة. الرجل من علماء الوباء والأمراض السارية، ومن أقلهم – وسط الأردنيين – حرصاً على الفتوى والإعلام، ومن أكثرهم زهداً بالأضواء.
لافت جداً تعيين الهواري، بل واقتران التعيين بإرادة ملكية توصي بـ «رتبة وزير» لمن يتولى هذا المركز المهم والسيادي لمدة أربع سنوات، فتقدير المؤسسة الأردنية أن الاشتباك طويل ومرير مع الفيروسات بعد كورونا وعوالمها وتداعياتها، وأن الأردن بقي طوال الوقت يحتاج إلى مركز سيادي وعلمي يتابع ويضع التفصيلات والبروتوكولات، وهو مركز أيضاً سيكون -حسب الخصاونة- مستقلاً، وبالتالي يصبح تعيين مديره المباشر برتبة وزير نمطاً لتعزيز هذه الاستقلالية ولرفع مكانة المركز الوطني للأوبئة على أساس الحرص على إظهار الندّية ومنح المركز فرصة للعبور وسط غابة بيروقراطيين ووزراء وكبار اللاعبين.
في الموجب والنتيجة، رئاسة الوزراء اليوم ترفد نفسها عبر خبيرين مهنيين خارج حسابات التسييس والجدل والتجاذب على رأس مؤسستين تقدمان النصح والإرشاد، وتدرسان الملفات والخرائط والمشروعات والواقع باسم الحكومة وأحياناً نيابة عنها.
ضمنياً، تريد وزارة الخصاونة أن تقول إن مرحلة التشكيل والتكوين لا تعني الثبات عند انطباعات محددة، وإن الرغبة بالعمل تتجاوز المشروعية الآن في اتجاه المشروع.
ويمكن القول إن التركيز على الشخصيات المهنية وخارج نطاق المحاصصة أحياناً وفي بعض المواقع يمكن أن يفيد في مسألة تفصيلية في غاية الأهمية، تتمثل في إظهار القدرة الحقيقية عند جسم الحكومة على العمل وبجدية ووفقاً للرؤية المرجعية والمصالح العليا إذا ما خفت عملية التجاذب والقصف العشوائي ضد الحكومة ورئيسها.
في الأثناء، وخلافاً لما حصل مع الحكومة السابقة، ظهرت نسبة الجدية في الإنجاز والعمل بتدشين وتفعيل ملف المستشفيات الميدانية التي أقيمت وأصبحت واقعاً وقيد الولادة بعد أسابيع قليلة فقط من العمل، مع أنها بقيت في أدراج الحكومة السابقة ثمانية أشهر على الأقل ورقياً.
ببطء وزحف تسلسلي وبدون ضجيج وإعلام وأضواء، يعمل الطاقم الحكومي على مساحات، فالعلاقة – وخصوصاً في تفاصيل الاشتباك مع الفيروس بين الحكومة كسلطة تنفيذ دستورية وبين المؤسسات السيادية – تم تنميطها وتأطيرها بجهد كبير على أساس التمكين القانوني منعاً للتزاحم أو التنافس أو الصدام في خطوة تجاهلتها في الماضي الحكومات المتعاقبة رغم أنها زودت بنفس التوجيهات الملكية وبعنوان «العمل بروح الفريق الجماعي».
يحتاج الشارع إلى التمهل قليلاً حتى تتمكن الحكومة من الاستمرار في العمل، وتحتاج النخب إلى تخفيف القصف العشوائي والصالونات لتقليص الاجتهادات والمشاغبات، والأهم النميمة السياسية، حتى يواصل الفريق الوزاري العمل بعيداً عن سياقات التجاذب والمغالاة في الاستعراض والهتاف والشعار.
طبعاً، ثمة ملفات اقتصادية كبيرة أيضاً تعمل حكومة الخصاونة عليها بصمت وقبل مرور مئة يوم على تشكيلها بطاقم وزاري اقتصادي مختص يبدو أنه منسجم جداً حتى الآن، بحيث انتهى العمل هنا بأجندة برامج الحماية والدعم للقطاعات المتضررة في مرحلة الفيروس المقلقة والمظلمة. حتى في الجزء الفيروسي ثمة خطط منهجية أكثر، ومختصون على رأس الملفات، بصيغة ساهمت بما يسمى علمياً باستقرار أولي لمنحنى الوباء.
وأيضاً ثمة ملفات سياسية شائكة قد تلقى النظرة عليها أو تطرح على الطاولة بالشراكة لاحقاً مع مجلس النواب ومؤسسة البرلمان. على الأقل هذا ما يشعر به المراقبون عندما يتعلق الأمر بالإصلاح السياسي وقانون الانتخاب وملفات عملية السلام وغيرها من المشكلات المعقدة والقضايا الشائكة.