اراء و مقالات

بعد درعا: «مشكلة أردنية» من السويداء أيضا… المخدرات السورية «بزنس» أم حرب سياسية؟

عمان ـ «القدس العربي»: لا يمكن قراءة حالة الإصرار والإلحاح على خاصرة الحدود الأردنية مع جنوبي سوريا عند مجموعات مسلحة بدأت تطور من هجماتها عسكرية الطابع على المنطقة الحدودية خارج سياق سيناريوهين يبدو أنه لا ثالث لهما، وإن كانت السلات قدمت سرديتها بخصوص تفسير وأبعاد وخلفيات تلك المواجهات المتواصلة وتقريباً على مدار الأسبوع، وأحياناً عدة مرات في اليوم الواحد، تحت عنوان «تجار الموت».
تجار الموت السوريون يناضلون ويجاهدون لا بل يقاتلون وبإمكانات تسليحية تبدو مقلقة أحياناً لدخول واقتحام الحدود الأردنية قسراً، الأمر الذي لا تفسير محدداً مقنعاً له في ظل معرفة تلك العصابات المسلحة بأن حرس الحدود الأردني سيواجهها بقواعد الاشتباك عسكرية الطابع، وفي ظل الوقائع التي تشير إلى أن مستوى احتراف ومهنية حرس الحدود الأردني والأجهزة الأمنية ليس في اتجاه يسمح أصلاً لميليشيات مسلحة تحت بند تهريب المخدرات بالعبور والتسلل باسترخاء.
لذا، أصبح إلحاح المهربين وإصرارهم هنا أحد ألغاز ما يجري في الإقليم عموماً، لا بل ما يجري حصراً في الغطاء الإقليمي للحدود المتوتر الآن بين الأردن وسوريا، وتحديداً في بؤرتين جغرافياً قرب محافظتي درعا والسويداء.
واللافت جداً أن التوتر خارج نطاق الدولة السورية وفي نطاق مجموعات سورية مسلحة من الواضح أنها في مناطق لا تخضع لسيادة الدولة السورية، ما يعيد لأذهان الأردنيين مقولة الرئيس السوري بشار الأسد قبل نحو 12 عاماً تحت عنوان «درعا مشكلة أردنية». والمستجد اليوم في المسألة الأمنية المرتبطة حصراً بتهريب المخدرات هو أن عبارة درعا -السويداء أصبحت مشكلة أردنية؛ فالمؤسسات في عمان على حد تعبير عضو مجلس الأعيان ووزير الاتصال الأسبق الدكتور محمد المومني، تحمي الدولتين معاً وفي اتجاهين.
وهذا الوضع بدأ ينتج عنه عشرات الإفصاحات والبيانات العسكرية يومياً التي تتحدث عن معارك ليست شبه عسكرية، بل أمنية بطريقة مباشرة، كما يفهم من تلك البيانات مع ميليشيات تميزت بأنها كبيرة وضخمة جداً ومسلحة للغاية، لا بل الأهم أن بحوزتها كميات كبيرة من الأسلحة وتصر على تهريب كميات وصفت في بيان عسكري بأنها ضخمة جداً، من المخدرات.
قتل العديد من مهربي المخدرات واستمرت وجبة الاشتباكات الأخيرة حتى الأحد، واعتقل العشرات من المهربين، وصودرت أطنان من بضاعتهم الحرام، وبصفة يومية لا تملك مجموعات المخدرات المهربة المسلحة قدرة على مواجهة أو مناجزة حرس الحدود الأردني الذي يتعامل باقتدار ويضرب أحياناً، مضطراً، عمق الأراضي السورية، وهو وضع من الناحية الأمنية واضح، لكن في جزئيته الجيوسياسية يثير الالتباس والألغاز والغموض في كثير من التفاصيل.
ثمة سيناريوهان ـ وفقاً للمحليين ـ يفسران جزئية الإلحاح والإصرار على مواجهة حرس الحدود الأردنية على الرغم من العمليات ذات الطابع الاشتباكي الهجومي من الجانب الأردني، وعلى الرغم من ترنح تلك المجموعات في كثير من الأحيان تحت وطأة الضرب الأمني الأردني.
السيناريو الأول هو ذلك الذي يجتهد بعض المختصين سياسياً في الإشارة إلى أنه مرتبط ببعض الدول الإقليمية المهمة. وليس سراً في دائرة الاتهام غير الرسمي على الأقل الحديث هنا عن النظامين الإيراني والسوري، وعلى اعتبار أنهما أو أطرافاً قوية في الدولتين ترعى عن بعد تجارة الموت تلك لأغراض المساس بالأمن الوطني الأردني، ويصبح الأمن الداخلي الأردني هو المستهدف في ظل هذا السيناريو.
لكن السيناريو الثاني يشير في تبرير وتفسير الإلحاح والإصرار والعناد من جانب تجار المخدرات، إلى مصالح مالية ضخمة تبرر تلك التضحيات من جانب المهربين.
والمعنى هنا أن عملية تهريب المخدرات عبر الأردن تدر مليارات الدولارات لشبكة إقليمية أو شبه دولية يمكن أن تكون ممولة لبعض الجماعات المسلحة لأسباب سياسية.
لكن الخلفية السياسية في هذا السيناريو ليست هي الأساس، بل الخلفية المالية، الأمر الذي يبرر أن أطماع كبار المهربين المستقرين في الجانب السوري المالية هي التي تدفعهم لمحاولة تلو الأخرى لاقتحام واختراق الحدود الأردنية مع بضاعتهم الحرام.
وهذا يعني أن المسألة لا تتعلق بنقل أو تأمين أو تهريب مخدرات فقط، بل بصناعة تلك المخدرات في ورش عمل ومصانع وبكميات تجارية كبيرة في ذلك «البزنس» خلف خطوط الحدود الأردنية وفي العمق السوري، حيث مواقع صناعة المخدرات بما في ذلك الحشيش والكريستال وحبوب الكبتاغون الشهيرة سبق لطائرات أردنية أن استهدفتها عدة مرات. لا تتبنى السلطة المركزية في الأردن أياً من الروايتين بصورة مباشرة، لكن المنطق يشير إلى أن الإلحاح والإصرار وعودة محاولات تهريب المخدرات بصورة مسلحة وتكرارها قد يكون أقرب للبيان المفصل اليتيم الذي شرح للرأي العام الأردني وصدر عن المؤسسة العسكرية الأسبوع الماضي.
الأسلحة التي تضبط بين يدي المهربين بعد قتلهم أو طردهم أو اعتقالهم إلى جانب المخدرات ليست أسلحة هدفها المقاومة أو تحرير فلسطين، بل تأمين عملية نقل وتخزين المخدرات أثناء عبورها الأردن ومهاجمة أجهزة المكافحة.
ومن الطبيعي القول إن عدد الأردنيين وسكان المملكة لا يصلح لتبرير أن الأردن سوق حقيقية لتلك الكميات، بمعنى أن الأردن والساحة التي يتم تخزين مخدرات فيها تمهيداً لنقلها في إطار الشبكة قد تبدأ من أحد أطراف طهران، ثم تعبر إلى جنوبي السويداء أو شرق درعا، إلى أن تصل إلى دول مثل مصر وإسرائيل وفلسطين المحتلة، وحتى السعودية ودول الخليج العربي.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى