اراء و مقالات

كيف ترافع الأردن خلف الستائر متمسكا بـ«الوصاية»؟

في الشروحات الأردنية ان زيارة بن غفير الاستفزازية للمسجد الأقصى تؤدي إذا ما تكررت إلى انتفاضة ثالثة في الأراضي الفلسطينية المحتلة ستكون مسلحة هذه المرة.

عمان ـ «القدس العربي»: مسألتان في المسار السياسي والدبلوماسي لا يمكن فصلهما عن السياق عندما يتعلق الأمر بإعادة قراءة تموقع وتحليل الموقف الأردني من إسرائيل وحكومة بنيامين نتنياهو حصرا بعد الزيارة التي أثارت الجدل للمسجد الأقصى والحرم المقدسي الشريف على الصعيد الدولي والدبلوماسي. حملة أردنية غير مسبوقة في الكواليس قدمت مساهمة فعالة ليس في انعقاد جلسة مجلس الأمن الأخيرة فقط، ولكن في إصرار وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن وبعد اتصالات ضاغطة كثيرة معه ومع إدارة البيت الأبيض على التذكير مجددا بان الولايات المتحدة ليست بصدد إظهار أي مرونة تجاه مسألة الأمر الواقع والتاريخي في القدس المحتلة.

خلف الستارة والكواليس وبصمت شديد قدم الأردن حزمة من المرافعات القانونية والدولية والدبلوماسية في اتصالات ومفاوضات مع الإدارة الأمريكية ومع بعض الدول الأوروبية أو في أقنية الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
المحاججة الأردنية كانت تستند لأكثر المصادر خبرة واشتباكات مع التفاصيل إلى جدار صلب في قوامه ان القدس المحتلة والقدس الشرقية والحرم المقدسي الشريف في النطاق الجغرافي هي مواقع تحت الاحتلال. وبالتالي لا يجوز لحكومة الاحتلال العمل على تقويض الوصاية الأردنية الهاشمية على الأماكن المقدسة بأي صيغة من الصيغ والمجتمع الدولي ووفقا للقوانين الدولية برأي المحاججات الأردنية لا يعترف لإسرائيل أصلا بالسيادة على القدس.
وهنا تبقى مسألة المحاضر التي وقعها بنيامين نتنياهو مع أطراف الائتلاف اليميني المتشدد في طاقمه تخص نتنياهو نفسه وحكومة إسرائيل ولا تنطوي على أي قيمة فائضة لا سياسيا ولا قانونيا إذا ما احتكم الجميع للمنطق القانوني. حيث يصر الأردن بالرغم من الاستفزاز الذي مارسه الوزير إيتمار بن غفير، على التمسك بالوصاية الهاشمية وعلى ان أي تصرفات في حرم القدس وأوقافها من جهة حكومة الاحتلال تبقى في العرف الدولي والقانوني غير شرعية.
ولذلك لاحظ الجميع الرسالة الأردنية الخاصة حتى عند إعادة إصدار العملة الورقية الجديدة من البنك المركزي، حيث صورة القدس هذه المرة وليس المسجد الأقصى فقط، على الورقة الأغلى قيمة من فئة 50 دينارا.
بعد ذلك وبصرف النظر عن المحاججات الكثيرة التي يثيرها مثقفون هنا أو هناك بعنوان تفريط المفاوض الأردني في الماضي بمسألة الوصاية والقدس ومن الجانب الإسرائيلي الفرصة على الموافقة على دور الرعاية الأردني كما قال المفكر السياسي الراحل عدنان أبو عودة وهو ما سمعته «القدس العربي» مباشرة منه قبل رحيله عدة مرات.
ومن يوافق يملك ضمنا حق الحجب.
لكن في المرافعات الأردنية الدولية والدبلوماسية والقانونية استناد إلى ان هذه الجزئية التفاوضية شأن ثنائي وخاص بين إسرائيل والأردن. لكن الأوقاف الإسلامية والمسيحية برمتها هي عبارة عن مناطق لا تزال تقبع تحت الاحتلال الإسرائيلي وبالتالي لا جواز من أي نوع أو صنف لفرض وصاية أو سيادة إسرائيلية على تلك الأماكن.
الاعتقاد سائد وسط النخبة في عمان العاصمة وتحديدا الرسمية بان هذه المرافعات القانونية والمحاججات تعزل القدس باعتبارها أرضا محتلة بموجب قرارات الشرعية الدولية عمليا عن المسار الإسرائيلي بصرف النظر عن طبيعة وتركيبة آلية النصوص الموجودة في اتفاقية وادي عربة بين عمان وتل أبيب، فواقع الاحتلال القانوني هو الذي يفرض بصمته أكثر من الاتفاقيات والمعاهدات الثنائية.
وبما ان القدس وأوقافها ومقدساتها تحت الاحتلال فقد سارع الأردن لتعزيز وصايته أصلا عبر الاتفاقية المباشرة مع السلطة الفلسطينية باعتبارها الوريث المقر دوليا حتى الآن للمناطق الخاضعة للاحتلال.
وترى نخبة وأوساط عمان السياسية ان تلك المحاججات والمرافعات نجحت اليوم في عزل حكومة بنيامين نتنياهو عندما يتعلق الأمر بملف القدس والمسجد الأقصى والوصاية حصرا.
وعملية العزل حولت الإسرائيليين من دولة كان من الصعب مواجهتها في الأقنية الدولية خصوصا في الولايات المتحدة والدول الأوروبية إلى دولة تقودها حكومة يمينية تستحق المتابعة والتقريع.
وإزاء المنطق الذي فرضته الدبلوماسية الأردنية في السياق والمحاججات خلف الستائر والكواليس يبدو ان الجانب الإسرائيلي اضطر لتقديم وثائق فيها قدر من الاستدراك وأبلغ بان الوضع التاريخي أو ما يسمى بالأمر الواقع المتفق عليه يضمن السماح لليهود بزيارة الأماكن المقدسة بما في ذلك الإسلامية. وهو أمر صحيح لكن نصوص الواقع التاريخي لا تسمح لليهود بأداء الصلاة، وهنا انتبهت حكومة نتنياهو مبكرا لهذه الجزئية في المفاوضات والاتصالات وأبلغت حتى الأمريكيين بان زيارة الوزير بن غفير لم تتضمن إقامة طقوس دينية يهودية ولا أداء الصلاة في حرم المسجد الأقصى بما يعني انها مجرد زيارة، ورغم ذلك تقول المصادر الأردنية اعتبرها الوزير بلينكن رغم انها مجرد زيارة ولم تتضمن أداء طقوس دينية أو صلوات يهودية بالمعنى السياسي، استفزازية.
ووجهة نظر الأردن في المسار الأمني لهذه المواجهة التفصيلية خلف الكواليس كانت أن هذه الزيارة التي وصفها الأمريكيون قبل غيرهم بانها استفزازية قد تؤدي إلى خلخلة الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية وتعبئة الفراغات من قبل دول ومعسكرات أقرب للمقاومة بما في ذلك حزب الله اللبناني وجمهورية إيران الإسلامية.
والأهم في الشروحات الأردنية ان هذه الزيارة الاستفزازية تؤدي خصوصا إذا ما تكررت إلى انتفاضة ثالثة في الأراضي الفلسطينية المحتلة ستكون مسلحة هذه المرة وفيها قد ينهار القانون وهو تعبير استخدمه في مقابلته الشهيرة مع «سي إن إن» الملك عبد الله الثاني.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى