اراء و مقالات

«من يلعب بالنار؟»: الأردن على «بث الجزيرة» وسيعمل مع اردوغان ومستجدات «مثيرة» في «التموقع السياسي»

عمان – «القدس العربي»: يمكن بسهولة ملاحظة النقلة المرصودة في الأداء السياسي والدبلوماسي الأردني على هامش الاختبار الذي فرضه اليمين الإسرائيلي، مؤخراً، ليس فقط على شريك السلام «البارد» ولكن أيضاً على أمن واستقرار المملكة ومن خلال مراقبة الاستشعارات التي تجريها المؤسسات الأردنية في التعاطي والاشتباك مع التطورات الحادة، سواء في قطاع غزة أو في مدينة القدس، حيث ماكينة الوصي الهاشمي تحركت وجددت التأكيد بكل اللهجات على أن القدس خط أحمر بكل المواصفات والمعايير، وأن العبث فيها وفي المسجد الأقصى لعب بالنار.
تلك إشارات باللغة الدبلوماسية كانت صارمة وقوية وصدرت عن وزير الخارجية الأردني العائد إلى مسرح الاشتباك رغم العوارض الصحية التي يعاني منها من خلال لقاءات مكثفة أجراها مع نظيره الأمريكي أنتوني بلينكين في واشنطن.

«اللعب بالنار»

ملاحظة أولية كانت أقوى سياسياً من إمكانية تجاهلها، فالعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني يجري اتصالين مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بهدف توحيد الخطوات، والأهم أن العاهل الأردني يتفاعل مع اتصال الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ويتفق معه على العمل المشترك.
وهي صيغة يمكن أن توضع تحتها عشرات الخطوط السياسية بامتياز، لأن الأردن لم يسبق له أن تقبل صيغة العمل المشترك، وتحديداً من أجل ملف القدس، مع القيادة التركية في إطار انحيازاته واتجاهاته وتحالفاته الإقليمية والعربية والدولية التي كانت كلاسيكية.
وفيما كانت القيادة الأردنية تتواصل مع الرئيس اردوغان في تحرك سيعني الكثير، كانت محطة الجزيرة القطرية تفتح مساحات البث على الهواء لمداخلة طويلة نسبياً لوزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، وهو أيضاً حدث قد يدل على حالة تموقع جديدة في التحالفات الأردنية، فالمنبر الإعلامي القطري هو الذي يعرض الجهود الأردنية ووجهة نظر الأردن في الدعوة لتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، والقيادة التركية هي الطرف الذي يتم التشاور معه، لا بل الاتفاق، على خطوات عمل مشتركة في المرحلة اللاحقة لتوفير الحماية لأهل القدس.
ذلك تعبير عن حالة تموقع جديدة للبوصلة الأردنية قد تكون فرضتها
الاختبارات التي يراهن فيها على أمن واستقرار المنطقة اليمين الإسرائيلي،
خصوصاً أن الوصي الهاشمي الأردني تمسك بنفس الثوابت ورفض الاستسلام لمنطق القوة وتغير الوقائع على الأرض في ملف القدس، حيث عبارات واضحة تجاوزت التنديد والاستنكار، وحيث وزير الخارجية أيمن الصفدي يبلغ الشارع العربي عبر شاشة محطة الجزيرة، بأن مسؤولية بلاده مباشرة ومضاعفة ومختلفة عن مسؤولية بقية البلدان العربية في مسألة القدس وحماية المقدسات.
بمعنى أن الأردن يتقدم إلى الأمام ولا تظهر عنه أو عبر رموزه في التعبير السياسي أي مفردات يمكن أن يفهم منها الهروب إلى الخلف والتخلي عن المسؤولية في مواحهة الوقائع التي يحاول فرضها اليمين الإسرائيلي، بمعنى أن القدس كانت وما زالت بالنسبة للقيادة الأردنية خطاً أحمر ولعباً بالنار، وهي عبارات كررها الوزير الصفدي.
بطبيعة الحال، لم يقف الأمر عند هذا الحد؛ ففي الوقت الذي استمرت فيه التظاهرات والاعتصامات والوقفات الاحتجاجية في الشارع الأردني تحت سياق سمح به هذه المرة، تظهر لغة جديدة على ممثل الدبلوماسية الأردنية الوزير الصفدي، عبر مفردات لم يسبق أن استخدمت في إطار المواجهة الإيجابية والسلبية مع الإسرائيليين، فالصفدي وصف الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة بأنها «همجية» وطالب المجتمع الدولي بالتحرك باتجاه لجم العدوانية الإسرائيلية التي تراهن بأمن المنطقة برمتها وليس بأمن واستقرار الداخل الفلسطيني.
الصفدي أيضاً وصف العدوان الإسرائيلي بأنه «لا أخلاقي ولا إنساني» وقال بأن واجب المجتمع الدولي حماية الفلسطينيين، وبأن الجهة التي تمثل الاحتلال تتحمل المسؤولية المطلقة ليس عن كل ما جرى فقط، ولكن عن كل ما سيجري لاحقاً. مثل هذه اللغة عندما تصدر عن ممثل الدبلوماسية الأردنية، تشكل تنميطاً جديداً في اللهجة الأردنية عموماً، فقد كانت الحكومة الأردنية تقف بالعادة عند أحداث مماثلة على محطة الشجب والاستنكار.
لكن التوصيفات التي استخدمها الصفدي تؤشر على أن الأردن غاضب ومحتقن ويحاول التحرك في تلك الأقنية والزوايا التي تسمح له بهامش مبادرة ومناورة، وعلى أساس أولوية وقف العدوان الحالي على أهإلى القدس وأهالي حي الشيخ جراح، وإعادة التموضع في سياق الوصاية الهاشمية الأردنية، والمسؤوليات المباشرة، ومنع العملية الإسرائيلية العسكرية الجديدة في محيط قطاع غزة من التقدم والنمو والزحف وخلط الأوراق مجدداً على أساس أن هذا الخلط يمكن أن يخدم تلك القوى التي تشكل محور المقاومة في ظرف دولي وإقليمي حساس عنوانه التفاوض على الملف الإيراني.

عبارات غير مسبوقة

الأردن يستخدم تعبيرات وعبارات غير مسبوقة في وصف الاعتداء الإسرائيلي الاخير. والأساس في فهم هذا التطور في اللهجة الأردنية هو أن ما يحاول اليمين الإسرائيلي فرضه إيقاع عملية تقويض مباشرة للوصاية الهاشمية الأردنية تقول عمان وبكل اللغات إنها مرفوضة. وعليه، بدت تلك علامة فارقة أن يجد الأردن في منبر القناة القطرية المكان الوحيد الذي يعبر فيه عن حراكه الدبلوماسي والسياسي ضد حكومة اليمين الإسرائيلي، وأن يتم الإعلان عن اتصال هاتفي مع الرئيس التركي اردوغان يتفق خلاله على العمل المشترك في توفير الحماية للقدس والمقدسيين.
تلك خطوات متقدمة جداً تدفع باتجاه الاستفسار والسؤال عن هوية إعادة الأردن للتموقع في ظل خارطة التحالفات الكلاسيكية في الإقليم والمنطقة، وقد لوحظ بأن الحلفاء العرب الطبيعيين والمعتادين للأردن خارج الصورة في إطار المواجهة الحالية التي تمس وتحاول تقويض الوصاية الهاشمية في القدس وتجازف بعودة التصعيد العسكري في قطاع غزة.
الأردن أيضاً في حالة تفاعل واشتباك إيجابية، ووصايته على المحك، وتلك أصبحت قناعة لا تنفيها المؤسسة الأردنية في الوقت الذي يسمح فيه للشعب الأردني بالتعبير عن مواقفه وإنحيازاته الكبيرة بسلسلة كبيرة من الاعتصامات طالت أكثر من ثماني محافظات على الأقل، وهي مفتوحة على النمو والزحف والزيادة في حالة عنوانها العريض التوافق بين الموقفين الرسمي والشعبي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading